الشواهد الشعريّة ومناسباتها فى الكتب الأربعة الحديثية - صفحه 319

خاص، كالأحاديث التى قُصد بها بيان فصاحته صلى الله عليه و آله ككتابه لهَمْدان، وكتابه لوائل بن حُجر، والأمثال النبوية، فهذا يصحّ الاستشهاد به فى العربية. ۱
موقف المانعين... الدوافع والآثار
ذكرنا أنّ أهمّ ما تذرّع به المانعون من النحاة لسلب حجيّة الحديث النبوى الشريف فى إثبات القواعد العربية، هو جواز رواية الحديث بالمعنى، ولا يخفى أنّ الرواية بالمعنى هى إحدى الإفرازات السلبية التى تمخّضت عن إقدام سلطة الخلافة بعد رحيل الرسول صلى الله عليه و آله إلى رضوان ربّه على منع تدوين الحديث أو الإفتاء به، ودعت إلى ترك الرواية عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولاحقت المخالفين لهذا الأمر من الصحابة الذين خرقوا الحظر على التدوين والرواية بالحبس والتهديد بالنفى والإبعاد ۲ مع تحريق أو إتلاف مدوّناتهم الحديثيّة. ۳
هذا مع أنّ تدوين الحديث كان على أصل الإباحة فى زمان الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله كما تدلّ عليه سيرته القولية والعملية، وكان أمرا مألوفا يزاوله بعض القادرين عليه من الصحابة.
ولا ريب أنّ منع تدوين الحديث كان من أخطر المعاول الهدّامة فى صرح التراث الثقافى للأمّة، ذلك لأنّه يوجّه إلى ثانى أعمدة التشريع الإسلامى بعد القرآن الكريم، ولأنّه تسبّب فى بعض الآثار السيّئة التى تركت بصماتها على رحاب الحديث الشريف إلى اليوم، ومنها ضياع بعض سنّة الرسول صلى الله عليه و آله وتراثه الفكرى الوضّاء، وتهيئة الفرصة والأجواء المناسبة للوضع والاختلاق والتشكيك بالحديث.
والوقوف على أسباب هذا الإجراء الخطير يستدعى دراسة تاريخ الحديث النبوى الشريف من حيث تدوينه وطرق تحمّله ودرايته وسائر العلوم المتّصلة به، وهو أمر يخرج بنا عن أصل البحث، ويتعذّر فى مثل هذه الوقفة الموجزة، وقد توفّرت مزيد من

1.خزانة الأدب البغدادى، ج ۱، ص ۱۲ ـ ۱۳.

2.راجع: تاريخ المدينة المنوّرة ابن شبة، ج ۳، ص ۸۰۰ ؛ تذكرة الحفّاظ الذهبى، ج ۱، ص ۷.

3.راجع: الطبقات الكبرى ابن سعد، ج ۵، ص ۱۸۸؛ تقييد العلم الخطيب البغدادى، ص ۵۲ و۵۴ ؛ تذكرة الحفّاظ الذهبى، ج ۱، ص ۵.

صفحه از 416