الشواهد الشعريّة ومناسباتها فى الكتب الأربعة الحديثية - صفحه 321

الدراسات النحوية والصرفية المتقّدمة، والتفريط بثروة لغوية كبيرة من الكلام النبوى البليغ.
وقد عبّر بعض أعلام الأمّة، وبدافع الحرص على تراثها الثقافى، عن لوعتهم ونقدهم لهذه الظاهرة المُدانَة، وكان على رأسهم شيخ الطائفة الطوسى ت 460ق، حيث قال فى مقدّمة تفسيره (التبيان): ومن طرائف الأمور أنّ المخالف إذا ورد عليه شعر مَن ذكرناه أى الشعراء الذين تقدّموا فى كلامه كالنابغة الجعدى وكعب بن زهير وغيرهما. ومن هو دونهم، سكنت نفسه واطمأنّ قلبه، وهو لا يرضى بقول محمّد بن عبداللّه بن عبدالمطّلب صلى الله عليه و آله ، ومهما شكّ الناس فى نبوّته فلا مِرية فى نسبه وفصاحته، فإنّه نشأ بين قومه الذين هم الغاية القُصوى فى الفصاحة، ويرجع إليهم فى معرفة اللغة، ولو كان المشركون من قريش وغيرهم وجدوا متعلّقا عليه فى اللحن والغلط والمناقضة لتعلّقوا به وجعلوه حجّة وذريعة إلى إطفاء نوره وإبطال أمره واستغنوا بذلك عن تكلّف ما تكلّفوه من المشاقّ فى بذل النفوس والأموال، ولو فعلوا ذلك لظهر واشتهر... إلى أن قال: وقد علمنا أنّه ليس بأدون من الجماعة فى الفصاحة، وكيف يجوز أن يحتجّ بشعر الشعراء عليه، ولا يجوز أن يحتجّ بقوله عليهم؟ وهل هذا إلا عنادا محضا وعصبية صرفة، وإنّما يحتجّ علماء الموحّدين بشعر الشعراء وكلام البلغاء اتّساعا فى العلم وقطعا للشغب وإزاحةً للعلّة، وإلا فكان يجب أن لا يلتفت إلى جميع ما يطعن عليه، لأنّهم ليسوا بأن يجعلوا عيارا عليه بأولى من أن يجعل هو عليه السلام عيارا عليهم. ۱

حُجّتهم داحضة

إنّ الحجج التى تذرّع بها النحاة لإخراج الحديث النبوى الشريف عن دائرة الاحتجاج اللغوى لا تصمد أمام النقد العلمى القويم، ولا تنسجم مع واقع الحال بأيّ شكلٍ من الأشكال، وسنعرض بعض ما يرد عليها من ردودٍ وملاحظات:
أوّلاً: جواز رواية الحديث بالمعنى، ويرد عليه:
1. إنّ الرواية بالمعنى موجودة فى غير الحديث ممّا صحّح النحاة الاحتجاج به من

1.التبيان الطوسى، ج ۱، ص ۱۶.

صفحه از 416