الشواهد الشعريّة ومناسباتها فى الكتب الأربعة الحديثية - صفحه 325

ومن ثمّ فإنّ وجود الرواة العرب الأقحاح من الرعيل الأوّل دون غيرهم فى كمٍ هائل من الأسانيد الموصلة إلى مَعين الحديث وأصله الشريف، يؤكّد وضوح فساد تلك العلّة، فمن غير المعقول أن لا يعلم النحاة بكلّ هذا فى الوقت الذى أقتبسوا فيه المنهج السندى وللمحدّثين فى دراساتهم اللغوية والنحوية.
ومن هنا يمكن القول بأنّ الذرائع التى نسبها متأخّرو النحاة لمتقدّميهم بشأن عدم احتجاجهم بالحديث الشريف، واهية لا تصمد أمام النقد العلمى، ولا يمكن أن نعتمدها فى بيان سرّ إعراضهم عن الحديث الشريف فى مجال استشهاداتهم اللغوية والنحوية.
والسبب الذى نراه وراء حصر احتجاجاتهم بشعر العرب ونثرهم، إنّما هو يصبّ فى خدمة الشريعة الغرّاء قرآنا كانت أو سنّةً، ويمكن توضيحه من خلال معرفة الغرض الحقيقى الكامن خلف سعى النحاة واللغويين الدؤوب فى تتبّع ما يصحّ الاستدلال به من شعر العرب ونثرهم، إذ لا يمكن أن يكون عبثا أو لهوا، وعليه لابدّ أن يكون الغرض عظيما يفوق الجهود المضنية المبذولة فى تتبّع ما قاله العرب الأقحاح شعرا ونثرا.
ولا يمكن أن يقال إنّ الغرض هو صيانة اللغة العربية من الضياع بعد أن شابها ما شابها من مزيج مختلط، ذلك لوجود الحارس الأمين الخالد على تلك اللغة وهو القرآن الكريم بسوره وآياته وألفاظه وحروفه التى لا ولن يعتريها تبديل أو تغيير أو نقص أو زيادة.
ومع هذا لا ينكر ما تضمّنه القرآن الكريم من لغات العرب الفصحى وإن نزل بلغة قريش، كما لا ينكر ما فيه من مفردات لغوية تتّسع لأكثر من معنى، وتراكيب إعرابية تحتمل أكثر من تأويل، ولهذا اختلف الصحابة أنفسهم فى الكشف عن معانى بعض الآيات القرآنية، وكان اختلاف التابعين بعدهم أكثر، ونظرة واحدة إلى تفسير الطبرى تكشف عن هذا الاختلاف بكلّ وضوح.
وأمّا عن الحديث الشريف، فإنّ كثيرا منه قد صدر بلفظه عمّن هو أفصح من نطق

صفحه از 416