الشواهد الشعريّة ومناسباتها فى الكتب الأربعة الحديثية - صفحه 326

بالضاد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد تضمّن من المفردات الفصيحة التى صارت فيما بعد محلاً للنزاع على مستوى العقيدة والأحكام، لانطباقها على أكثر من معنى، ومن هنا برز النحاة ليضعوا ما استطاعوا حدّا فاصلاً لتلك الاجتهادات التفسيرية، لكى تحرس الشريعة ويسهل فهمها على الآخرين خصوصا وأنّ الغرض الأساس الذى اندفع نحوه رائد النحو الأوّل أمير المؤمنين عليه السلام وبعده تلميذه الدؤلى كان لخدمة القرآن الكريم وتسهيل نطقه كما أُنزل وفهمه كما أُريد.
وإذا صحّ هذا الغرض كما نراه، تبيّن السرّ فى لجوئهم إلى نثر العرب وشعرهم دون نصوص الشريعة الغرّاء التى بذلوا الجهد فى حراستها عن طريق أفصح لغاتها، بمعنى أنّهم أرادوا الدفاع عن نصوص الشريعة وحراسة وتسهيل فهمها من طرق اُخرى هى محلّ اتّفاق الناطقين بالضاد، والدفاع عن الشى ء لا يكون بالشى ء نفسه.
وهذا هو اللائق بمقام الصفوة من النحاة المؤمنين الأوائل، ولا يمكن القول إنّ عدم استدلالهم بالحديث يعنى أنّهم لا يجيزون ذلك، أو أنّهم يفضّلون غيره عليه فى هذا المجال.
وهو لا يمنع من وجود فئةٍ من النحاة المتقدّمين من الذين لم يتعاطوا علم الحديث ولم يمارسوه، فاستسهلوا الشعر واستصعبوا الحديث، لما يتطلّبه من إحاطة بروايته ومعرفة بدرايته، فآثروا رواية الشعر والأمثال والخطب على الخوض فى غمار الحديث وتجشّم مشقّة روايته، خصوصا وأنّ معظمهم من فرسان الأدب وقادته، وجلّهم من حفظة الشعر وروايته، فضلاً عن نظمه والتسامر به.
ولهذا نجد أنّ بعض متأخّرى النحاة ممّن كانوا على اطّلاع بالحديث وطرق تحمّله و ضوابط معرفة الصحيح من السقيم، قد أجازوا الاستشهاد بالحديث مصرّحين بذلك فى مصنّفاتهم، مستشهدين بنصوص كثيرة منه سيما بعد تحقّق الغرض الذى لأجله نهض النحاة المتقدّمون.
وبحمد اللّه سبحانه أنّ الدراسات اللغوية والنحوية المعاصرة تميل اليوم إلى الاحتجاج بالحديث، وقد خطت خطوات متقدّمة على صعيد البحث والدراسة، أغنت

صفحه از 416