الشواهد الشعريّة ومناسباتها فى الكتب الأربعة الحديثية - صفحه 331

الأربعمائة. ۱ وقد استقرّ الأمر على اعتبارها والتعويل عليها والاحتفاظ بها حتى بقى بعضها إلى يومنا هذا متداولاً بين أيدى الناس، وكانت تشكّل المراجع الأوّلية لمجاميع الحديث، فقد دوّنت مضامينها فى الكتب الأربعة المجموعة منذ أوائل المائة الرابعة إلى أواسط المائة الخامسة، وهى: الكافى والفقيه، والتهذيب، والاستبصار. وهى تعدّ خلاصة آثار أهل البيت المعصومين عليهم السلام وعيبة سننهم القائمة، وحجّة المتفقّهين عصورا طويلة، ولا تزال موصولة الإسناد والرواية مع تغيّر الزمان وتبدّل الدهور.
ومن كلّ ما تقدّم يُعلم أنّ ما اعتذر به عن النحويين فى تركهم الحديث النبوى، لا يمكن الاعتذار به عنهم فى تركهم حديث صنوه وأخيه وحديث بضعته، وحديث ذرّيته صلوات اللّه عليهم أجمعين، إذن لابدّ من وجود أسباب اُخرى حالت دون استفادتهم من ذلك الكنز الثمين.
وفى حدود تتبّعى لمعظم الدراسات النحوية اللغوية قديما وحديثا، لم أجد من تناول هذا الموضوع الخطير، ولعلّهم تحاشوا الخوض فيه، وآثروا تركه خوفا من نتائجه التى قد تكون بتقديرهم صفعة قوية بوجه نحاتنا الأقدمين.
بيد أنّ التأمّل فى هذا الموضوع يكشف عن براءة النحاة الأوائل من كلّ إدانه، ذلك لأنّهم عاشوا التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة بكلّ مضامينها، وهم كبشر لا يستطيعون السباحة ضدّ التيّار الجارف الذى لم يبقِ شيئا لأهل البيت عليهم السلام ولم يذر.
أمّا بنو أمية فقد أمروا الناس بسبّ أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة منه، وخطبوا بذلك على منابر المسلمين، حتى صار سنّة فى أيّامهم، إلى أن قام عمر بن عبدالعزيز فأزاله. ۲
ومنعوا من إظهار فضائله عليه السلام وعاقبوا على ذلك الرواة لها حتى إنّ الرجل إذا روى عنه حديثا لا يتعلّق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه فيقول: عن أبى زينب. ۳
أمّا فى زمان بنى العباس فقد كان الأمر أشدّ وأقسى، ويكفى الباحث أن ينظر إلى

1.راجع: دائرة المعارف الإسلامية حسن الأمين، ج ۵، ص ۳۲؛ أعيان الشيعة، ج ۱، ص ۱۴۰؛ الذريعة آقا بزرگ، ج ۲، ص ۱۲۵ ـ ۱۶۷.

2.شرح ابن أبى الحديد، ج ۴، ص ۵۶.

3.المصدر نفسه، ج ۴، ص ۷۳.

صفحه از 416