الشواهد الشعريّة ومناسباتها فى الكتب الأربعة الحديثية - صفحه 353

أحدها: أنّه لا خلاف بين أهل العربية فى أنّ الإعراب بالمجاورة [يكون فى مواضع مسموعة عن العرب ]لا يتعدّى إلى غيرها، وما هذه منزلته فى الشذوذ والخروج عن الاُصول لا يجوز أن يُحمل كلام اللّه تعالى عليه.
ثانيها: أنّ كلّ موضع أُعرب بالمجاورة مفقود منه حرف العطف الذى تضمّنته الآية، وعليه اعتمدنا فى تساوى حكم الأرجل والرؤوس، فلو كان ما ورد من حكم المجاورة يسوغ القياس عليه، لكانت الآية خارجة عنه، لتضمّنها من دليل العطف ما فقدناه فى المواضع المعربة بالمجاورة، ولا شبهة على أحدٍ ممّن يفهم العربية فى أنّ المجاورة لا حكم لها مع العطف.
ثالثها: أنّ الإعراب بالجوار إنّما استحسن بحيث ترتفع الشبهة فى المعنى، ألا ترى أنّ الشبهة زائلة فى كون (ضربٍ) صفة للضب فى قولهم: جحرُ ضبٍّ خربٍ والمعرفة حاصلة بأنّه من صفات الجحر، وليس هكذا الآية؛ لأنّ الأرجل يصحّ أن يكون فرضها المسح كما يصحّ أن يكون الغسل، والشكّ حاصل فى ذلك واقع غير ممتنع، فلا يجوز إعمال المجاورة فيها لحصول اللبس والشبهة. ۱
فإن قيل: كيف ادّعيتم أنّ المجاورة لا حكم لها مع واو العطف مع قول الشاعر (وأنشد البيت)؟ ثمّ قال الشيخ رحمه الله: فأمّا قول الشاعر: (فهل أنت إن ماتت...) البيت، فيمكن أن يكون الوجه فى (خاطب) الرفع، وإنّما جرّ الراوى وهما، ويكون عطفا على (راحل) ۲ ويمكن أن يكون المراد بخاطب الأمر ۳ وإنّما جرّ لإطلاق الشعر.

1.وقد أوردت السيدة هدى جاسم محمّد أبو طبرة عدّة وجوه محكمة فى ردّ الإعراب بالمجاورة، خلال تحقيقها لرسالة (نهاية الإقدام فى وجوب المسح على الأقدام)، للشهيد الثالث، راجع: مجلّة تراثنا العدد (۴۷ ـ ۴۸)، ص ۴۱۱ ـ ۴۱۵.

2.وأشار الشيخ فى (التبيان) إلى أنّ الوجه فى (خاطب) الرفع، وأنّ الشاعر قد أقوى لأنّ القصيدة مجرورة، وهذا الوجه متين، ذلك لأنّ الإقواء جارٍ على ألسنتهم كثيرا، وهو المخالفة بين حركة الرويّ المطلق بكسر وضمّ، قال النابغة الذبياني: زعم البوارح أنّ رحلتنا غداوبذاك حدّثنا الغُدافُ الأسودُ لا مرحبا بغدٍ ولا أهلاً بهإن كان توديع الأحبّة فى غدِ راجع ديوان النابغة، ص ۳۸، ولعلّ البيت الذى ذكرناه لا يخرج عن هذا الإطار.

3.أى فخاطبنى وأجبنى عن سؤالى.

صفحه از 416