الشواهد الشعريّة ومناسباتها فى الكتب الأربعة الحديثية - صفحه 387

فقال الشيخ فى ردّه: ليس الأمر على ما توهّمتم، بل العطف على الموضع مستحسن فى لغة العرب، وجائز لا على سبيل الاتّساع والعدول عن الحقيقة، والمتكلّم مخيّرٌ بين حمل الإعراب على اللفظ تارة، وبين حمله على الموضع أُخرى، وهذا ظاهر فى العربية مشهور عند أهلها، وفى القرآن والشعر له نظائر كثيرة.
على أن لو سلّمنا أنّ العطف على اللفظ أقوى، لكان عطف الأرجل على الرؤوس أولى مع القراءة بالنصب، لأنّ نصب الأرجل لا يكون إلا على أحد الوجهين؛ إمّا أن يُعطف على الأيدى والوجوه فى الغسل، أو يعطف على موضع الرؤوس فينصب، ويكون حكمها المسح، وعطفها على موضع الرؤوس أولى، وذلك أنّ الكلام إذا حصل فيه عاملان أحدهما قريب والآخر بعيد، فإعمال الأقرب أولى من إعمال الأبعد، وقد نصّ أهل العربية على هذا، ۱ فقالوا: إذا قال القائل: أكرمنى وأكرمت عبداللّه ، وأكرمت وأكرمنى عبداللّه ، فحمل المذكور بعد الفعلين على الفعل الثانى أولى من حمله على الأوّل، لأنّ الثانى أقرب إليه.
وقد جاء القرآن وأكثر الشعر بأعمال الثانى، قال اللّه تعالى: «وَ أَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا»۲ لأنّه لو أعمل الأوّل لقال: كما ظننتموه، وقال: «ءَاتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا»۳ ولو أعمل الأوّل لقال: اُفرغه، وقال: «هَآؤُمُ اقْرَءُواْ كِتَـبِيَهْ...»۴ ولو أعمل الأوّل لقال: هاؤم اقرء وه كتابيه... إلى أن قال: وممّا أعمل فيه الثانى قول الشاعر: (وأورد الشاهد) ثمّ قال: فأعمل الثانى دون الأوّل، لأنّه لو أعمل الأوّل لقال: قضى كلّ ذى دين فوفّاه غريمه، انتهى كلام الشيخ رحمه الله.
وقد أخرج هذا البيت ابن هشام فى (شرح الألفية) وابن مالك فى (شرح التسهيل) ولم يجعلا من باب التنازع، ولهما تأويل خاص فى المسألة. ۵
على أنّه لو لم يصحّ الاستشهاد فى الموضع الذى أشرنا إليه من البيت، فإنّ فيه

1.راجع: الإنصاف فى مسائل الخلاف الأنبارى، ج ۱، ص ۹۲؛ شرح الألفية ابن عقيل، ج ۱، ص ۵۴۸.

2.سورة الجن (۷۲): ۷.

3.سورة الكهف (۱۸)، الآية ۹۶.

4.سورة الحاقّة (۶۹): الآية ۱۹.

5.راجع: أوضح المسالك ابن هشام، ج ۲، ص ۲۵ ـ ۲۶ / ۲۴۱.

صفحه از 416