الشواهد الشعريّة ومناسباتها فى الكتب الأربعة الحديثية - صفحه 391

مدلج، وكان يرسل إليهم الأخبار، وهذا مطلعها:

يا ليتَ شِعرى ولا مَنْجى من الهَرَمِأم هل على العَيشِ بعد الشّيبِ من نَدَمِ
والبيت من شواهد سيبويه، وأورده المبرد فى (المقتضب) وابن هشام فى (شرح الألفية) والبغدادى فى (الخزانة)، وابن منظور فى (اللسان)، والأعلم فى (شرح الكتاب). ۱
شرح الغريب: وصف فى هذا البيت بقرا نظرت إلى برق مستمطر دالّ على الغيث، حتى شئاها: أى ساقها من موضعها إلى الموضع الذى كان منه البرق، كليل: صفة للبرق بمعنى مكّل، مثل أليم وسميع بمعنى مُؤلِم ومُسمِع، وموهنا: أى وقتا من الليل، والمعنى أنّ البرق يكلّ أوقات الليل بدوامه فيه وتوالى لمعانه، كما يقال: أتعبت ليلك، أى سرت فيه سيرا حثيثا متعبا متواليا، والعَمِل: ذو العمل الدائب الذى لا يفتر، وباتت طرابا: أى باتت البقر وقد استخفّها الشوق والفرح إلى البرق، وبات الليلَ: أى بات البرقُ الليلَ أجمع لا يفتر متّصلاً من أوّل الليل إلى آخره.
الشاهد فيه: قوله (كليلٌ مَوهِنا) فقد نصب (موهنا) بكليل على المجاز والاتّساع مع أنّ اسم الفاعل من (كليل) غير متعدٍّ، وذلك لأنّ (كليل) هنا بمعنى (مكلّ) فعمل عمله، لأنّه مغيّر منه لمعنى التكثير والمبالغة.
وقد أنشده سيبويه على إعمال فعيل، لكن طعن بعض النحاة فى البيت، من جهة استشهاده، واعتبر الطاعنون (كليل) بمعنى (كالّ) وفعله لا يتعدّى فى الأصل، و(موهنا) فى البيت منصوب على الظرفيه لا المفعولية، وجعلوا معنى كليل ضعيف، أى أنّ البرق كليل فى نفسه.
وقد اعتبر أغلب النحاة تأويل الطاعنين غير صحيح ۲ لأنّ صدر البيت وعجزه ينافيه، إذ لو كان (كليل) بمعنى ضعيف، لم يقلّ (عمِل) وهو الكثير العمل، ولا وصفه بقوله: (وبات

1.كتاب سيبويه، ج ۱، ص ۷۵، ش ۹۲؛ المقتضب المبرد، ج ۲، ص ۱۱۵؛ مغنى اللبيب ابن هشام، ج ۲، ص ۵۶۸، ش ۸۰۰؛ خزانة الأدب البغدادى، ج ۸ ، ص ۱۵۵؛ لسان العرب ابن منظور ـ شأى ـ ، ج ۱۴، ص ۴۱۸؛ شرح كتاب سيبويه الأعلم، ج ۱، ص ۲۴۸.

2.راجع: خزانة الأدب، ج ۸، ص ۱۵۵ ـ ۱۶۱.

صفحه از 416