منهج تفسير القرآن بالقرآن في مرويات الكافي للشيخ الكليني - صفحه 375

الروايات، وهي المصدر التشريعي الثاني بعد المعجزة الكبرى «النصّ القرآني» ؛ ذلك بأنّ اللّه تعالى من المستحيل أن يكلّف الناس بما لا يطيقون معرفته ؛ إذ التكليف بالمبهم مستحيل عقلاً وعملاً كما قرّرنا .
من هنا نقول: إنّ اللّه سبحانه قد يحدث أن يورد لفظة مبهمة في نصٍّ قرآني تشريعي لا سبيل إلى معرفته، فإنّا ـ والحال هذه ـ نلجأ إلى المرويات المسندة إلى الأئمّة عليهم السلام ؛ ذلك بأن الأئمّة عليهم السلام هم الأعلم بكتاب اللّه تعالى وما ينطوي عليه من دلالات ومضامين غاية في الروعة .
بيد أنّ الرواية إذا صحّت مضمونا وسندا عن الإمام، يتحتّم على المتلقّي وجوبا الأخذ بها والعمل بالحكم الشرعي الذي يخرجه الإمام من هذه الآية ، وقد يستعمل الإمام منهج تفسير القرآن بالقرآن في روايته، فيكون وصوله إلى الدلالة الشرعية من حيث الدليل أقوى، ومن حيث توافر القناعة أجلى ؛ لأنّ اللّه تعالى هو الأعلم بكتابه، وهو الأعرف بما يُريد، فحينما يُعرِب عمّا يريده من مضمون مبهم في آيةٍ كاشفةٍ أُخرى، يكون اتّباع تلك الآية والعمل بها أمرا مُسلّما به لا حاجة له إلى طول نظر أو تأمّل أو توقّف في موردٍ من موارده .
وتأسيسا على هذا المنطلق أورد الكليني في الكافي موارد تفسيرية أوضح بها قدرة الرواية على حلّ المشكل التكليفي، من خلال تفعيل حيثية عرض الغامض على الواضح، فكان من مصاديق ذلك التوظيف ما أورده من رواية مسندة إلى الإمام الكاظم عليه السلام في مجال القول القاطع بوجود حرمة الخمر في كتاب اللّه تعالى، من خلال كشف المراد الدلالي للفظة «الإثم» في قوله تعالى : «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَ حِشَ مَاظَهَرَ مِنْهَا وَمَابَطَنَ وَالإِْثْمَ وَ الْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ»۱ ، حيث نجد أنّ لفظة «الإثم» مبهمة في النصّ، فهي اسم جنس مُحلّى ب «ال»، واسم الجنس المعرّف يدلّ على العموم، فتكون هذه

1.الأعراف : ۳۳.

صفحه از 406