منهج تفسير القرآن بالقرآن في مرويات الكافي للشيخ الكليني - صفحه 380

من هنا نقرّر أنّ الإمام عليه السلام قد اتّبع منهج تفسير النصّ للنصّ، فتارةً يصرّح بذلك، وأُخرى يحيل الأمر على المتلقّي ليُدرك ذلك ، أمّا بيانه عليه السلام لحرمة الخمر وكشفه عن إبهام لفظة «الإثم»، فإنّ تفسيره هذا وإقراره لحرمة الخمر يعدّ براعة عالية وقدرة لا مثيل لها في التقاط بيان الآية من آيةٍ أُخرى.
ولو تأمّلنا الآية التي استند إليها الإمام في بيان دلالة لفظة «الإثم» ـ وهي آية السؤال عن الخمر ـ فسنجد أنّ الآية التي أحال عليها الإمام مكتنزة بجملة من القرائن الخطابية التي تثبت حرمة الخمر فعلاً زيادةً على إثبات الحرمة في آية تحريم الفواحش ، فإذا ما أوردنا النصّ على جادة منهج التحليل النصّي، فإنّا سنقف فيه على الآتي :
1 ـ إنّ السؤال عن الخمر والميسر ابتداءً في قوله تعالى : «يَسْئلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ» ، يدلّ دلالة لا تقبل الشكّ والتردّد على أنّ أمر الخمر والميسر بات يشكّل قلقاً كبيرا وتساؤلاً متواصلاً في أذهان المسلمين، فالسؤال عنهما يمثّل قرينة استشعارية عن مدى تحسّسهم لضرر الخمر والميسر على مجتمعهم على حدٍّ سواء ، وهذا الاستشعار ينذر بوجود ضرر بالغ فيهما، والضرر في ماهية الشيء يدخل نطاق التحريم، ما زال ملازما لماهيته .
2 ـ صاغ سبحانه نصّ الإجابة عن هذا التساؤل على بنية الجملة الاسمية دون البنية الفعلية ؛ ليثبت دلالة الإثم في الخمر والميسر ، ذلك بأنّ لزوم المعنى وديمومته إنّما تتأتّى من بناء مضمون العبارة على الجملة الاسمية، فلمّا أراد سبحانه لزوم دلالة الإثم للخمر ودوام استمرارها في ذهنية المتلقّي ، أورد الخطاب على هذه الصيغة دون غيرها .
3 ـ إنّ الناظر في النصّ بتأنٍّ يقف على نمطٍ من العدول التركيبي في بنية الجملة الاسمية ؛ إذ تقدّم الخبر «فيهما» على المبتدأ «إثم كبير»، ونحسب أنّ علّة ذلك أمران:
أوّلهما : إنّ التقديم يشعر بالأهمّية والعناية بالمقدّم، ولمّا كان الخمر والميسر

صفحه از 406