منهج تفسير القرآن بالقرآن في مرويات الكافي للشيخ الكليني - صفحه 381

هما مدار الحديث، وجب تقديمهما؛ ليفهم المتلقّي أنّ الكلام يدور عليهما، وأنّ ما بعدهما بيان لهما، وهو قوله : «إثم كبير»، فلو جرى الخطاب على الأصل الأمثل للمنظور النحوي فقدّم سبحانه المبتدأ على الخبر فقال: «قل إثم كبير فيهما» ؛ لما أعطت هذه التركيبة الخطابية الاهتمام الكافي لبيان حرمة الخمر ، فقد جرى محور الكلام ها هنا على الإثم، ولم ينصبّ كلّيا على الخمر والميسر اللذين هما أساس الكلام وجوهره .
من هنا يتقرّر أنّ تقديم الجار والمجرور «فيهما» ابتداءً، يضفي قوّة وهيبة على الأمر المُتحدّث عنه أصالةً، ويمنح النصّ التفاتا أكبر وشدّا أعلى لما بعد الجار والمجرور، فقولك : «إثمٌ كبيرٌ فيهما» أقلّ تأثيرا من بيان دلالة الإثم في الخمر والميسر من قولك : «فيهما إثمٌ كبيرٌ» ؛ ذلك بأنّ العبارة الأخيرة تدعو المتلقّي إلى الانتظار قليلاً قبل بلوغه معرفة ما فيهما ، والانتظار يدعو إلى اللهفة وانبعاث الرغبة في معرفة المراد .
فضلاً عن أنّه سبحانه قد اختار حرف المعنى «فيهما» بدقّة عالية ؛ لأنّ دلالة «في» هي الظرفية الداخلية، كقولك : «زيد في الدار»، فهذا يعني أنّ زيداً داخل الدار ، بهذا نجد أنّ صفة ثبوت الإثم في الخمر لم تتأتّ عن طريق بناء الجملة على الاسمية فحسب ؛ بل إنّ لتوظيف حرف المعنى «في» في الجملة دون غيره أثرا في إشباع صفة الثبوت للخمر ؛ ذلك بأنّ الجار والمجرور «فيهما» يدلّان على أنّ الإثم داخل في الخمر ملازم لها، لا ينفكّ عنها في كلّ أحوالها ، ولمّا كان الإثم كامنا فيها، وجب بهذا حرمتها ، ف «الآية دالّة على أنّ الخمر مشتملة قطعا على الإثم ، والإثم حرام» ۱ ؛ لأنّ ملازمة الإثم للشيء يدعو بالضرورة إلى حرمة ذلك الشيء، نأيا عن الوقوع في دائرة الإثم الأكبر ؛ «إذ لا إثم في غير مُحرّم» ۲ البتّة .

1.التفسير الكبير للرازي : ج ۶ ص ۳۸.

2.التفسير لكتاب اللّه المنير لمحمّد الكرمي : ج ۱ ص ۳۸۹.

صفحه از 406