منهج تفسير القرآن بالقرآن في مرويات الكافي للشيخ الكليني - صفحه 384

فاسم التفضيل في الآية كَشفَ المراد وأبان أنّ الإثم «المنهيّ عنه» أكبر من المنفعة «المباحة»، ونلحظ أنّ الموازنة بين الإثم والمنفعة قد صيغت على الإفراد في كلا طرفي التفضيل، فلم يقل «وإثمهما أكبر من منافعهما» ؛ وعلّة ذلك ـ فيما أحسب ـ أنّ المنافع على كثرتها في الخمر لا تعدّ شيئا إزاء الإثم فيها ، لهذا أفرد سبحانه المنافع ليوضّح بأنّ منافع الخمر على تكاثرها هي لا تساوي شيئاً قياسا لعواقبها، من هنا فهي تُعامل معاملة المنفعة الواحدة (المنفردة) ، لذا «لا تغترّوا بالنفع فيها، فالضرر أكبر منه» 1 .
فأفرد سبحانه «المنافع» ليظهر ضآلة هذه المنفعة وقلّتها مهما تعدّدت، قياسا إلى كبر الذنب الذي يحتمله المرء من شربها أو التعامل بها.
هذا من وجهة نظر دلالية ، أمّا من وجهة نظر لغوية، فإنّ صياغة الخطاب لغويا تُحتّم إفراد المنفعة دون جمعها ؛ ذلك بأنّه «لمّا قوبل ثانيا بين الإثم والمنافع بأكبر، أوجب إفراد المنافع وإلغاء جهة الكثرة فيها، فإنّ العدد لا تأثير له في الكبر ، فقيل : «وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا» ، ولم يقل : من منافعهما» 2 ؛ لأنّ جهة المفاضلة في هذه العبارة قد أُحيلت من حيز الكثرة العددية إلى حيز الكبر الحجمي ؛ ليبيّن سبحانه بأنّ هذه «المنافع» على كثرتها وجمعها هي أصغر في قياس الحجوم من الإثم الكبير فيها .
ويبدو أنّ إحداث هذه النقلة في اسم التفضيل وعدم التعبير بقوله «أكثر من»، له ارتباط وثيق بالملازمة الدلالية التي تحملها لفظة «أكبر من» ومشتقّاتها، سواء كان ذلك على مستوى التعبير القرآني المعجز، أم التعبير البشري المعتاد؛ إذ غالباً ما ترد هذه اللفظة للدلالة على الذنب والإثم، فكأنّ دلالتها على هذا المعنى أمر ملازم لها، ف «الكبر مثل العظم، ومقابله الصغر ، والكبير : العظيم ، قال تعالى : «وَ كُلُّ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍ

1.التبيان : ج ۲ ص ۲۱۲.

2.تفسير الميزان : ج ۲ ص ۲۰۰ ؛ وانظر : مواهب الرحمان للسبزواري : ج ۳ ص ۳۲۷.

صفحه از 406