منهج تفسير القرآن بالقرآن في مرويات الكافي للشيخ الكليني - صفحه 391

تعالى لا يمكن لأيّ عينٍ أن تبصره وتراه؛ لأنّه لا يُحدّ ولايُشخّص عيانا من أيّ إنسانٍ مهما بلغت درجته، ومهما علا شأنه عنده سبحانه، على حين أنّ قراءتنا إلى ما أورده الكليني عن الإمام الصادق عليه السلام ـ في نطاق منهج تفسير القرآن بالقرآن ـ تقودنا إلى أنّ هذه الدلالة التبادرية ليست هي الدلالة المطلوبة البتّة ، بل إنّ الأمر أبعد من ذلك، وإنّ الدلالة المرادة أقصى من أن نتصوّرها، حيث نقل الكليني:
عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَـرُ» ، قال : إحاطة الوهم، ألَا ترى إلى قوله : «قَدْ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ»۱ ، ليس يعني بصر العيون«فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ»۲، ليس يعني من البصر بعينه«وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا»۳، ليس يعني عمى العيون، إنّما عنى إحاطة الوهم، كما يقال : فلان بصير بالشِعر ، وفلان بصير بالفقه ، وفلان بصير بالدراهم ، وفلان بصير بالثياب ، اللّه أعظم من أن يُرى بالعين۴
.

فالإمام عليه السلام كشف في هذه النصّ الروائي أنّ المراد بدلالة الأبصار ليس البصر العيني الحسّي ، بل المبتغى هو البصر الذهني، وهذا جلي من استدلاله بالنصوص الثلاثة من آية الأنعام، فجميع ما أورده الإمام من استشهاد، يدلّ على أنّ المراد من لفظة «الأبصار» هو البصر الذهني، فالبصيرة كما يرى المفسّرون «نور القلب الذي به يستبصر، كما أنّ البصر نور العين الذي به تبصر» ۵ .
من هنا تكون «البصائر جمع بصيرة، وهي للنفس كالبصر للبدن، سُمّيت بها لدلالة؛ لأنّها تجلّى لها الحقّ وتبصرها به» ۶ . ولهذا دلّ الإمام عليها بقوله: «إحاطة الوهم»؛

1.الأنعام : ۱۰۴.

2.الكافي : ج ۱ ص ۹۸.

3.الكشّاف للزمخشري : ج ۱ ص ۳۷۳ ؛ وانظر : روح المعاني للآلوسي : ج ۷ ص ۲۴۸.

4.تفسير البيضاوي : ج ۱ ص ۴۳۹.

صفحه از 406