منهج تفسير القرآن بالقرآن في مرويات الكافي للشيخ الكليني - صفحه 393

«الباصرة»، ومن ثمّة يكون التصوّر على اللّه تعالى جارٍ عقلاً إذا ما حملنا لفظة «الأبصار» على العين الباصرة دون البصيرة العقلية الباطنة ، ولهذا قال الإمام في ذات الموضع: «إنّ أوهام القلوب أكبر من أبصار العيون، فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام» ۱ .
ومن الجميل في الأمر أنّ لفظة «الأبصار» قد سيقت في النصّ الذي فسّره الإمام على هيأة الجمع المُحلّى ب «ال»، فضلاً عن أنّها واقعة في سياق نفي. ومن السائد في المنظور اللغوي والأُصولي أنّ الجمع المعرّف يفيد دلالة العموم، وأنّ اللفظة إذا سيقت بعد نفي دلّت على العموم أيضا ، فيمكن القول تأسيسا على هذا: إنّ لفظة «الأبصار» في الآية تضمّ جميع أنواع الأبصار «البصري والذهني»، بيد أنّ الإمام لمّا فسّرها بالبصر الذهني فقد اكتفى بهذا واستغنى عن القول بالبصر العيني ؛ لأنّ هذا الأخير أبلغ وأجلى لأداء الغرض من الأوّل، فالإبصار الذهني يرد بعد الإبصار العيني بالضرورة، فما عجزت العين عن إدراكه أدركه العقل بالتصوّر، فإذا انتفى التصوّر انتفى البصر العيني تباعا وضرورةً .
لهذا أثبت الإمام دلالة الإبصار الذهني دون العيني، فكانت هذه اللفتة من قبل الإمام ـ أي القول بدلالة الإبصار الذهني دون العيني ـ لها أثرها المضموني والتصوّري «الاختزالي» لدى المتلقّي بحيثية أثرى وأبلغ ممّا لو ذكر المعنيين معاً .
على حين ـ بالمقابل ـ نجد في تتمّة الآية أنّ اللّه تعالى قادر بمهارة عالية على أن يدرك الأبصار جميعاً، ويقصد بالأبصار ها هنا «التصوّر الذهني» أيضا، ذلك بأنّ إدراك أوهام الناس وتصوّراتهم أمر خفيّ مستبطن لا يمكن أن يُعرف البتّة، بيد أنّ اللّه تعالى قادر على معرفته ، وهذا دليل قاطع على خالقيته للوجود ؛ إذ لا يعرف الخلق إلّا خالقه .
ولمّا كانت عملية إدراك العقل للّه سبحانه «تصوّرا تشخيصيّا» أمرا مستحيلاً ،

1.الكافي : ج ۱ ص ۹۹.

صفحه از 406