منهج تفسير القرآن بالقرآن في مرويات الكافي للشيخ الكليني - صفحه 397

تفعيله جدلية عرض الدلالة المبهمة في نصّ قرآني على الدلالة المُوضّحة في نصّ قرآني آخر .
ولهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام في حقّ القرآن تأسيسا على هذا المضمون : «ذلك القرآن فاستنطقوه» ۱ ، وقوله أيضا : «ينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض» ۲ .
فالاستنطاق يُحمَل على معنيين :
الأوّل : إنّ النصّ القرآني ينطق عن بعضه بعضا، أي أنّه يفسّر نفسه بنفسه، فإذا ما تدبّرتم به وتأمّلتم فيه مرارا وتكرارا ، فسوف تجدونه ينطق لكم في موضعٍ منه عمّا استُبهِم عليكم في موضعٍ آخر ، ويفصح لكم في هذا الموطن عمّا اختزله في موطنٍ آخر .
أمّا المعنى الثاني : فهو عملية طلب استنطاق القرآن عن مدلولاته من خلال توظيف الجهد الفكري للعقل البشري ، فالنصّ كان وما زال خطابا ثابت المبنى متحرّك المعنى، وعلى العقول أن ترتشف منه الدلالات والمضامين، ولكن مهما اجتهدت العقول في ذلك فإنّ النصّ يبقى فوق مستوى الاستقاء الدلالي ؛ لأنّ النصّ يمثّل أعلى درجات العمق الدلالي والبعد الغائي قياسا إلى عقول البشرية .
فالعقل مُحدّد وإن أثمر وأنتج ، والنصّ مطلقٌ وإن استُفيد منه معنىً ودلالةً ، من هنا كانت ثمّة علاقة جدلية بين العقل «المُستَثمِر الدلالي» وبين النصّ «ميدان الاستثمار ومَوئل الجُهد العقلي» . وتأسيسا على هذه العلاقة وجب الاستنطاق للنصّ على مسار الخطّ الزمني الذي يعيشه العقل الإنساني .
أمّا نصّ الإمام الآخر فهو أوضح من أن يُتحدّث فيه ، فالنصّ ينطق عن نفسه ويشهد على بعضه بعضا بأنّه من اللّه تعالى، وهذا يفضي بنا إلى القول بأنّ منهج تفسير القرآن بالقرآن يدلّ دلالةً قاطعةً على أنّ الخطاب القرآني هو من عند اللّه تعالى، وأنّه

1.نهج البلاغة : ج ۲ ص ۵۴ .

2.المصدر السابق : ص ۱۷.

صفحه از 406