منهج تفسير القرآن بالقرآن في مرويات الكافي للشيخ الكليني - صفحه 398

ليس من صنع البشر البتّة ، فقد حَسِبَ سبحانه لكلّ شيء حسابه، ووضع كلّ مفردة في موضعها بهندسة عالية الدقّة، وبراعة منقطعة النظير، فجاء التعبير المقدّس وحدةً واحدةً، فما غَمُضَ في مكانٍ جاء توضيحه في مكانٍ آخر، وما اختُزِل في موضعٍ ورد تفصيله في موضعٍ آخر ؛ ولهذا قيل ـ تسالما ـ : «مَن أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أوّلاً من القرآن، فما أُجمِل منه في مكانٍ فقد فُسّر في موضعٍ آخر، وما اختُصر في مكانٍ فقد بُسط في موضعٍ آخر منه» ۱ .
فإذاً، ما كان النصّ قطعة فنّية رائعة متكاملة الأجزاء متعاضدة الروابط، فإنّ هذا لدليل على إعجازه، ولحجّة بيّنة على أنّه من وحي السماء، ولا دخل للبشر في صياغته أو نسجه ؛ إذ لا يقوى البشر على ذلك ولا يكادون ، وقد أبان سبحانه هذه الحقيقة الثابتة بقوله : «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَـفًا كَثِيرًا»۲ .
وهنا لا بدّ من الإيضاح ـ ونحن ما زلنا في هذا الشأن ـ من أنّ منهج تفسير القرآن بالقرآن الذي اتّبعه الأئمّة عليهم السلام والمفسّرون من بعدهم ـ سواء أ وُجِدَ آثار ذلك في كتاب الكافي، أم في غيره ـ يكمن في أن ترد لفظة مبهمة أو تركيب مبهم في نصٍّ قرآني، ويرد تفسيره وبيانه في نصٍّ قرآني منفصل عنه، سواء أكان في السورة ذاتها أم في غيرها من سورة .
أمّا أن يرد لفظ مبهم في نصٍّ ويرد بيانه في ذات النصّ نفسه، فإنّ هذه الحيثية في البيان لا تعدّ من باب تفسير القرآن بالقرآن ، ذلك بأنّ هذا النمط «بيان النصّ لنفسه» لا يصدق عليه مصطلح التفسير ، وإنّما يصدق عليه مصطلح البيان ؛ لأنّ «البيان» مصطلح أوسع نطاقا من التفسير، فالتفسير يدخل ضمن نطاق مصطلح البيان، ليكون البيان

1.البرهان في علوم القرآن : ج ۲ ص ۴۶۷.

2.النساء : ۸۲ .

صفحه از 406