صيانة القرآن، بين الخفاء و الجلاء - صفحه 303

أ ـ الاعتماد على القرائن : كلّ متكلّم عاقل حكيم يعتمد في كلامه ـ لبيان مراده ومقصوده ـ على القرائن المختلفة ـ الحاليّة والسياقيّة ـ والمرتكزات العرفيّة وغيرها ، فإنّ كلّ قرينة من القرائن المختلفة تقوم مقام عبارة أو عبارات متعدّدة لبيان المقصود من الكلام ، فمثلاً في العراق إذا قيل للسائل : «أعطاك اللّه » فهم منها : «اِنصرف» ، ولم يفهم منها الدعاء له ، مع أنّه لا دلالة في ألفاظ التركيب المذكور على هذا المعنى . وأمّا إذا قيل ذلك لرجل وقع في شدّة مالية ولم يسأل الآخرين شيئاً فإنّ المفهوم من العبارة المذكورة هو الدعاء لا غير ، وهذا الفرق في المعنى ـ مع اتّحاد العبارة ـ إنّما نشأ من القرائن المكتنفة للكلام .
والاعتماد على القرائن في المحاورات أمر رائج في جميع المجتمعات ، وفي جميع اللُّغات ، ولا يختصّ باللُّغة العربيّة ، بل إنّ العرف قد يستهجن ذكر تفاصيل كلّ شيء إذا أمكن الاستغناء عن بعض تلك التفاصيل بالاعتماد على القرائن المختلفة .
ومن الواضح أنّ أهل البيت عليهم السلام الذين هم أفصح الناس وأبلغهم ، كانوا يعتمدون الأساليب المتعارفة بين العقلاء ويتّبعون العرف السائد في التفاهم والتحاور ، فكانوا يعتمدون على القرائن باختلاف أنواعها في بيان ما يريدون . فلابدّ ـ والحال هذه ـ من التعرّف على القرائن المحيطة بكلام المعصوم عليه السلام لفهمه بشكل صحيح .
ب ـ ضياع القرائن : لا شكّ ولا ريب أنّ جملة من القرائن المحيطة والمكتنفة بالحديث ـ والتي لها دور مؤثّر في فهمه ، ومن جملتها بل من أهمّها المرتكزات العرفيّة ـ قد ضاعت خلال نقل الحديث عبر السنين المتطاولة والقرون المتمادية ، فالقرائن الارتكازية غالباً ما تقع الغفلة عنها عند النقل ؛ لاعتماد الراوي على وضوحها لدى المخاطب ۱ ، وبمرور الزمان وتغيّر الظروف تندرس هذه القرائن ، فيبقى الكلام

1.قال الشهيد الصدر قدس سره : «إنّ القرائن إذا كانت ارتكازية عامّة فلا تكون محسوسة لدى الراوي حين النقل كي يذكرها صريحاً ؛ لأنّها حينئذٍ قضايا عامّة مُعاشة في ذهن كلّ إنسان ، فلا يشعر الراوي بحاجة إلى ذكرها باللفظ» (بحوث في علم الأُصول : ج ۷ ص ۳۱) .

صفحه از 366