صيانة القرآن، بين الخفاء و الجلاء - صفحه 316

الجاهليّة ؛ من العصبيّة القبليّة وغيرها ، بل فيه بعض الأخلاق التي هي في معزل عن الإنسانيّة بالمرّة ؛ كوأد البنات . فلمّا بُعِث خاتمُ الأنبياء والمرسلين ـ عليه صلوات المصلّين إلى يوم الدين ـ برسالته الخالدة التي هي خير دين ، أبان أنّ هدفه تتميم مكارم الأخلاق فقال صلى الله عليه و آله :
إنَّما بُعِثتُ لِاُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخلاقِ .۱
وقال صلى الله عليه و آله :
أدَّبَني رَبّي فَأحسَنَ تَأديبي .۲
فبدأ بنشر الرسالة ، وبثّ مكارم الأخلاق بين الناس ، وتحمّل ما تحمّل من الأذى في ذلك حتّى قال :
ما أُوذِيَ نَبِيٌّ مِثلَ ما أُوذيتُ .۳
وكان من أسباب عنائه صلى الله عليه و آله في تبليغ الرسالة هو سوء أخلاق المجتمع الذي كان فيه ، والعادات الحاكمة عليه ، حيث كان يحاول تغييره وإصلاحه ، فيأبون ذلك ، ومن الواضح أنّ تغيير مجتمع بهذه الصفة بحاجة إلى زمن طويل ، وعناء كبير ، فإنّ الموازين التي يعتمدها هذا المجتمع موازين عوجاء ؛ فيقدّم الكبير سنّاً وذو المال والجاه على غيره وإن كان مرجوحاً ، ولم يكن الترجيح على أساس المبادئ والقِيم .
ومن جانب آخر كانت العصبيّة القبليّة قد نشبت أظفارها في أبناء ذلك المجتمع ، حتّى صارت القبيلة إلهاً يُعبد من دون اللّه ، وعادت معياراً لتقييم الحقّ من الباطل ، ولهذا نجدهم ينصرون أبناء قبيلتهم وعشيرتهم على الآخرين عند وقوع نزاع أو خلاف ، سواء كانوا في جانب الحقّ أم في جانب الباطل ، بل نجدهم يرجعون في

1.بحار الأنوار : ج ۱۶ ص ۲۱۰ ؛ المستدرك على الصحيحين : ج ۲ ص ۶۱۳ ، وقال عقيب الخبر : «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه» ؛ السنن الكبرى للبيهقي : ج ۱۰ ص ۱۹۲ .

2.بحار الأنوار : ج ۱۶ ص ۲۱۰ .

3.كشف الغمّة : ج ۲ ص ۵۳۷ .

صفحه از 366