صيانة القرآن، بين الخفاء و الجلاء - صفحه 317

حلّ النزاعات وتعيين حقوق الأفراد إلى رئيس العشيرة لا إلى العلماء ، كما نجده اليوم في بعض المناطق .
والتاريخ يشهد في جملة من الموارد بعدم انصياع المسلمين لأمر النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ لكونه مخالفاً لهذه الأخلاق القبليّة والنزعة القوميّة ، بل إنّنا نجد آثار هذه الأخلاق في حياة المسلمين إلى آخر أيّام حياة النبيّ صلى الله عليه و آله أيضاً ، فينقل لنا المؤرّخون والمحدّثون عدم طاعة بعض الصحابة للنبيّ حين أمر المسلمين بالخروج مع جيش أُسامة وعدم التخلّف عنه ، حتّى قال صلى الله عليه و آله :
لَعَنَ اللّهُ مَن تَخَلَّفَ عَن جَيشِ أُسامَة .۱
لكنّ عرق القبليّة دفع البعض إلى الطعن في تأمير النبيّ صلى الله عليه و آله أُسامة ، حتّى قالوا ما قالوا ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
أيُّها النّاسُ ، ما مَقالَةٌ بَلَغتني عَن بَعضِكُم في تَأميري أُسامَةَ ! لَقَد طَعَنتُم في إمارَتي أباهُ مِن قَبلُ ، وأيمُ اللّهِ إنَّهُ لِلإمارَةِ لَخَليقٌ ، وابنهُ بَعدَهُ لِلإمارَةِ خَليقٌ ، وهُوَ مِن أحَبِّ النّاسِ إلَيَّ ، وإنَّهُما أهلٌ لِكُلِّ خَيرٍ فَاستَوصوا بِهِ خَيراً ؛ فَإنَّهُ مِن خِيارِكُم .۲
والسبب في عدم طاعتهم للنبيّ صلى الله عليه و آله وطعنهم على تأمير أُسامة هو أنّه كان أصغر منهم سنّاً ، فأبوا ذلك ، ولم يحتملوه ، ولهذا روى ابن كثير في البداية والنهاية عن سيف بن عمر عن أبي ضمرة وأبي عمرو وغيرهما عن الحسن البصري :
إنّ أبا بكر لمّا صمّم على تجهيز جيش أُسامة قال بعض الأنصار لعمر : قل له فليؤمّر علينا غير أُسامة . فذكر له عمر ذلك ، فيقال : إنّه أخذ بلحيته وقال : ثكلتك أُمّك يابن الخطّاب ، أُؤمّر غير أمير رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟! ۳
كما روى الشيخ الكليني قدس سره في الكافي :

1.المسترشد لمحمّد بن جرير الطبري : ص ۱۱۶ .

2.المصدر السابق : ص ۱۱۳ ؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : ج ۲ ص ۴۶ .

3.البداية والنهاية لابن كثير : ج ۶ ص ۳۳۶ .

صفحه از 366