صيانة القرآن، بين الخفاء و الجلاء - صفحه 343

فإنّ تعليم النبيّ صلى الله عليه و آله علم التنزيل والتأويل يعني تعليمه تفسيره الظاهري وحقائقه الباطنة ، بل صريح قوله : «جَمِيعَ ما أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيلِ وَ التَّأوِيلِ» أنّه كان ينزل عليه التأويل كما كان ينزل عليه التنزيل ، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على نزول التفسير من اللّه على قلب النبيّ صلى الله عليه و آله ، وكان النبيّ يعلّمه عليّاً عليه السلام ، ولهذا كان أمير المؤمنين عليه السلام أوّل العالمين بالتفسير ؛ لأنّه أول من يسمع ويكتب من النبيّ صلى الله عليه و آله .
بل إنّ أهل البيت عليهم السلام كانوا يعلمون ذلك كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك .

ى . الدقّة في الدلالة

ما سبق من الكلام مبنيٌّ على تسليم الظهور الأوّلي للروايات المذكورة في ادّعاء التحريف ، من دون تدقيق في متونها ، مع أنّ التدقيق في متونها قد ينتهي بنا إلى نتيجة أُخرى من دون حاجة إلى طيّ هذا الطريق وتحمّل عناء البحث عن القرائن ، وعلى الأقلّ فإنّ الروايات التي نضعها على طاولة البحث ونسلّط عليها الأضواء ستتحدّد وتتضاءل بلا ريب ، وهذا ما يختصر لنا الطريق من جانب ، ويوصلنا إلى المقصود بنحو سليم من جانب آخر .
والذي يدقّق النظر في الروايات التي ذكرت المضمون التالي :
نَزَلَ القُرْآنُ أثْلاثاً : ثُلُثٌ فِينَا وَفِي عَدُوِّنَا ، وَثُلُثٌ سُنَنٌ وَأمْثَالٌ ، وَثُلُثٌ فَرَائِضُ وَأحْكَامٌ»۱أو «إِنَّ القُرْآنَ نَزَلَ أرْبَعَةَ أرْبَاعٍ : رُبُعٌ حَلالٌ ، وَرُبُعٌ حَرامٌ ، وَرُبُعٌ سُنَنٌ وأحْكَامٌ ، وَرُبُعٌ خَبَرُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَنَبَأُ مَا يَكُونُ بَعْدَكُمْ وَفَصْلُ مَا بَيْنَكُمْ۲.
فإنّه سيرى عدم دلالتها على التحريف أصلاً ، فإنّ هذه الروايات لا تريد إثبات تصريح ربع القرآن أو ثلثه بأهل البيت عليهم السلام وبأسمائهم ، وهذا واضح لمن له أدنى ذوق

1.الكافي : ج ۲ ص ۶۲۷ ح ۲ باب النوادر .

2.المصدر السابق : ح ۳ باب النوادر ، ونظيره الحديث الرابع من نفس الباب وهو ما رواه أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّارٍ ، عن أبي بصيرٍ ، عن أبي جعفرٍ عليه السلام ، قال : نزل القرآن أربعة أرباعٍ : ربعٌ فينا ، وربعٌ في عدوّنا ، وربعٌ سُننٌ وأمثالٌ ، وربعٌ فرائض وأحكامٌ .

صفحه از 366