موقف الكليني من القول بتحريف القرآن في كتاب « الكافي» - صفحه 274

فضلاً عن أنّه دستور هذه الأُمّة ومقياس تشريعها ، والفرقان بين الحقّ والباطل ، قال تعالى : «تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا»۱ ، فكيف يكون المقياس محرّفا ؟! بل أنّى لعاقلٍ أن يظنّ بأنّ هذا الفرقان يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ! وقد قال عزَّ من قال : «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»۲ ، وقد وعد اللّه ـ ولا يخلف اللّه وعده ـ بأنّه لهذا الذكر لحافظ ، فقال : «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»۳ ، ولا يخفى على القارئ الواعي لآية الحفظ ـ قراءةً دلاليّةً ـ أنّ فيها من المؤكّدات ما يوائم الدلالة المبتغاة منها ؛ إذ إنّ التعبير القرآني فيها مسوق بلفظ الجمع دون المفرد « إنّا ـ نحن ـ نزّلنا ـ حافظون » ، للدلالة على التفخيم والقوّة والقدرة الموجودة في الجماعة ، فضلاً عن ورود جملة وعد الحفظ بصيغة الجملة الاسمية الدالّة على الثبوت .
وتصدّر هذه الجملة القرآنية بحرف المعنى « إنّ » التوكيدية ؛ لتوكيد المسند إليه من جهة ، وتوكيد المسند وتقويته من جهةٍ أُخرى ، واقتران المسند بلام التوكيد زيادةً في توثيقه وتقويته ، فجاء موثّقا من جهتين ، فضلاً عن تقديم المتعلّق الأوّل وإظهاره « له » والمقصود به الذكر ؛ للاختصاص والقصر وإضمار المتعلّق الثاني « من التحريف والضياع والنسيان » ، فجاء المسند مقيّدا من جهة المحفوظ ، ومطلقا من جهة المحفوظ منه .
وهذا التعبير الإعجازي فيه من القوّة والتأكيد ما يدحض كلّ الشبهات أو الشكوك التي قد تطرق الأذهان في أنّ هذا النصّ المعجز يمكن أن يصيبه ما أصاب الكتب السماوية السابقة من تحريف ، وأمثال هؤلاء قد تكفّل القرآن الكريم بتوصيفهم في قوله عز و جل : «فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ»۴ ،

1.الفرقان : ۱ .

2.فصّلت : ۴۲ .

3.الحجر : ۹ .

4.البقرة : ۱۰ .

صفحه از 296