نظرية المعرفة عند الإمامية مرويات «الكافي» مستندا - صفحه 244

والحقّ أنّ المعين الذي تستقي منه الإلهيّات والفلسفة والحكمة وعلم الكلام الإسلامي قديمه وجديده ، هو إشراقات النصّ المعجز (القرآن الكريم) ، وتجلّيات الحديث النبويّ ، والرواية عن الأئمّة المعصومين صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين ، كما أنّ هذه الأُصول المطهّرة تقع أساساً للتفكير العلمي عند المسلمين .
لذلك صار من الضروري طرح نظرية المعرفة في الفكر الإسلامي ، ولكن من منابعها الرئيسة ، وهي القرآن ومرويات الأئمّة ، التي يعدّ ثقة الإسلام الكليني من أوائل من جمعها وبوّبها وصنّفها طبقا لمعيار موضوعي ، ولأنّ فكر الشيعة الإمامية مستند إلى ما صدر عن الإئمّة من آل البيت عليهم السلام ، فإنّه يعبّر عن مقاربة أكثر يقينية عن رؤية الإسلام كمنظومة فكرية كبرى .
لذلك صار إمكان التعرّف على نظرية المعرفة من خلال مرويات الكليني هي هدف هذا البحث وفرضيته العامّة .
ومن الواضح أنّ العلاقة بين الدين والمعرفة علاقة جدلية ، فالدين الصحيح هو الذي ترجّحه أدوات المعرفة اليقينية من بين الأديان الكبرى في العالم ، فالتقليد في الأُصول الاعتقادية إحدى عيوب التديّن ، وهذه إحدى أبرز قواعد المنطق الديني بل المنطق الفكري بعامّة .
هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى فإنّه حينما يُراد من الدين أن يحقّق للناس تنمية حضارية ، فسيتحوّل الدين إلى دافع لاتّساع المعرفة ، فهو يترجّح من خلال المعرفة ، وهو في ذات الوقت يؤسّس لمعرفة ، إلى جانب أنّ لكلّ دين رؤية كونية ، ومعيناً للإجابة عن الأسئلة الأزلية ، فلا بدّ للدين من أن يجيب عن تساؤلات الإنسان الاُولى والبديهية ، وينقل العقل الإنساني من المجهول إلى المعلوم ، لا سيّما في قضايا أو مضامين تلك الأسئلة الأساسية عن الوجود والموجد ، والغاية من الوجود ، ودور الإنسان ومدى حرّيته في الفعل الكوني ، وحجم مسؤوليته إزاء أفعاله ، وصلته بالطبيعة ، والدور التاريخي له ، ومعنى الزمن الذي يمارسه .

صفحه از 261