المتغيّرات من آثار على سيرورة العقيدة الاثنا عشرية .
إنّ الحديث عن ظروف الاثنا عشرية خلال الغيبة الصغرى لوحده ـ وهو ميدان حركة الكليني ـ كافٍ للدلالة على صخب الأحداث وخطر السياسة على رجال هذا الفكر الذي جاء عصر الصدوق؛ الميدان البديل على صعيد حركة الدولة ـ إلى حدٍّ ما ـ ، بما وفّر قدراً من الحرّية استقطب أنشطة رجال هذه المدرسة، فكان الشيخ المفيد (ت 413ه ) واحداً من أكبر أعلام الاثنا عشرية في بغداد ، يعدّ رأس المثلّث لزاويتي المثلّث الاُولى الشيخ الكليني ، والثانية الشيخ الصدوق ، وعلى هذا المثلّث استقام البناء الكلامي والفلسفي والعقيدي عند الاثنا عشرية .
حاول الباحث التوسّل بالمصادر وهو يلملم مادّة هذه الدراسة ؛ ليستكمل بها حلقات البحث الاثنا عشري (شخصيات ـ مدارس ـ اتّجاهات) ، ويسهم مع الباحثين الآخرين في الوفاء بصاحب الذكرى وهو يمهّد في حفظ موارد العقيدة في عصرٍ عاصف لا يثبت فيه إلّا المتمسّك بالأثر، والمحافظ على الخبر والعارف بمسالك طريق الأئمّة عليهم السلام الموصل إلى المنبع الأوّل (النبيّ صلى الله عليه و آله ) الذي أخذ الإسلام من خالق كلّ شيء عزّ وجلّ .
وليس أجمل من ذكرى مفكّر سار على هديه آخرون، واستدلّ بدربه السائرون إلى يوم الدين ، فذلك هو الوهج العقيدي والكلامي الذي كان ومازال وسوف يبقى، متألّقاً في الآفاق ... فالجميع يعلم أنّ الشيخ الكليني قد مهّد بالكافي وهو في الحقبة الاُولى (الغيبة الصغرى) لما سيكون عليه الحال في الحقبة الثانية (الغيبة الكبرى) ، التي حاول الصدوق فيها أن يكمل مشروع الكليني كما يكمل دور مدرسة قمّ فيها دور مدرسة بغداد الحديثية في كتاب من لا يحضره الفقيه .
فنحن إذا نتحدّث عن شخصيات فكرية شمولية لها شيوخ ولهم تلاميذ حملوا لواء الكلمة المكتوبة والتشبّث بها، استجابةً لوصايا الأئمّة عليهم السلام بعدّهم حلقات مترابطة تعود إلى عصر الرسالة (الحلقة النبويّة) ، وهي تترجم نداء الوحي الإلهي إلى الناس