كافّة ، وتُوضّح مراميه وتُفرّع أُصوله، بفضل السنّة النبويّة وما استودعه الشارع عند (العترة الطاهرة) خلفاً عن سلف لسلسلة متماسكة الحلقات معروفة الرواة ، وصولاُ بها إلى صاحب الزمان عَجّل اللّه فرجه .
لهذا نقول : إنّ الحقبة الاُولى غير الحقبة الثانية، مختلفتان في الجوانب الفلسفية والاجتماعية والحضارية، مع ذلك استدرك الصدوق على ما فات الكليني ، وكلاهما سارا على الأثر بالفكر الاثنا عشري بين إيقاعين محافظ ومجدّد، وما دمنا نتحدّث عن حقبة انتقالية في المسيرة الإمامية الكلامية ، فبماذا سنخرج من سياحتنا في خارطة الفكر الاثنا عشري بين عصر الكليني وعصر الصدوق ؟ سؤال سنحاول الإجابة عليه في هذا البحث المتواضع. ومن اللّه التوفيق والسداد.
الحقبة الاُولى : الشيخ الكليني والنزعة المحافظة
عُرف الكليني باتّجاهه السلفي (المحافظ)، أو كما سُمّي بالأخباري، والأخبارية بالمعنى المخصّص الذي أُطلق على أتباع الاتّجاه الحديثي المحافظ داخل الفكر الإمامي الاثنا عشري الذي يعود إلى عصرهم ـ الأئمّة الاثنا عشر ـ فهم تبع لهم في علومهم، عن الكتاب والسنّة وأخبار السلف.
وإذا كان مفهوم السلف عام تفاوت فيه وحوله الرأي عند عموم المسلمين، فإنّه عند الإمامية الاثنا عشرية محدّد بالأئمّة عليهم السلام إلى يوم الدين، وإن هو انحصر ـ زماناً ومكاناً ـ في القرون الثلاثة الاُولى من الهجرة النبويّة الشريفة.
وإذا ما أردنا تحديد هذه الحقبة الزمانية بالجغرافية (المكان) قلنا : إنّ مثلث (المدينة المنوّرة ـ الكوفة ـ قمّ) هي المراكز التي استقطبت النشاط الإمامي الحديثي، وصولاً به إلى بغداد وسامراء ! بعدّها تجليّات لمدرسة الصادق عليه السلام (ت 148 ه ) التي بلغت مدياتها القرون والأماكن إلى يوم الناس هذا. ۱
1.الفكر السلفي عند الشيعة الاثنا عشرية لعلي حسين الجابري : ص ۱۰۸.