عِدّاتُ الكليني و مشايخه - صفحه 129

الأكرم أحمد المُختار صلى الله عليه و آله وسلم وأوصيائه المرضيين عليهم صلوات اللّه أجمعين؛ لأنّها أحد الأدلّة بل أعظمها، فلذا يجب على الفقيه المُتصدّي لاستنباطها الاعتناء التامّ والتوجّه الكامل إلى فهم معانيها ودرك مقاصدها، برعاية القرائن المتّصلة والمنفصلة المغيّرة للمعنى الحقيقي، والنظر إلى معارضتها وترجيح ذي المزيّة منها على غيرها، بالمرجّحات الواردة في مظانّها وغيرهما من الأُمور الدخيلة في فهم المعنى .
وهذا أمر صعب يحتاج إلى ممارسة كثيرة وتتبّع بليغ وذوق سليم، لاسيّما في الأخير منها، فإنّه من أعظم ما أنعم اللّه على بعض عباده، رزقنا اللّه وإيّاكم بمنّه وكرمه، ولابدّ قبل هذا من معرفة أحوال رجال السند من حيث الوثوق بهم وعدمه، فإنّ هذا أهمّ من الأوّل ؛ لأنّه بمنزلة الأصل للبناء، فيجب رعاية استحكامه أكثر ، وإلّا يسقط الخبر عن الاعتبار ولا يصلح أن يكون مدركاً للفتوى.
ولو كان في سلسلة الطريق مذموم أو مجهول، فلابدّ من مراجعة كتب الرجال والنظر إلى ما ذكره علماؤها في حقّهم من الجرح والتعديل.
ثمّ إنّه لمّا كان أصحّ الأُصول التي بأيدينا (الكتب الأربعة : الكافي ، وكتاب من لايحضره الفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار) للمشايخ الثلاثة : أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني، وأبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمّي، وأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، رضوان اللّه وغفرانه عليهم أجمعين، سيّما كتاب الكافي الذي صرف مؤلّفه الخبير الصدوق غاية جهده مدّة عشرين سنة ، في جمع أخباره وتهذيبها، حتّى يُقال إنّه قال الإمام المنتظر المهدي ـ روحي وأرواح العالمين له الفداء ـ في حقّه : «الكافي كافٍ لشيعتنا» .
ولذا فقد اهتمّ كثير من أكابر علماء الإمامية ـ قُدّس سرّهم ـ من السابقين واللاحقين على صيانة أحاديثها وقراءتها على المشايخ الذين يتّصلون بأسانيدهم بصاحب الأصل ، وهو متّصل إلى المعصوم سماعاً ، وتحقيق معانيها وشرح معضلاتها، حتّى وضعوا لها شروحاً مفصّلة متقنة، ونقّحوا مصادرها وبيّنوا أحوال

صفحه از 193