عِدّاتُ الكليني و مشايخه - صفحه 157

معروف كثير الرواية، كان أصحاب الحديث بصدد بيان حاله ومرامه ، ولو كان فيه ذلك لذكروها حتماً .
وأضعف من ذلك ما احتمله صاحب التنقيح من أنّ غرض محمّد بن يحيى لم يكن تمنّي كون الراوي للخبر واحداً آخر غير البرقي حتّى يكون قدحاً فيه، بل غرضه ـ واللّه العالم ـ تمنّي أن يكون قد جاء هذا الحديث من غير جهة البرقي أيضاً، يعني بسندٍ ثان وثالث ، بحيث يبلغ حدّ التواتر أو الاستفاضة ليرغم به أنف المنكرين . وغرض محمّد بن الحسن في جوابه ـ واللّه العالم ـ أنّ الحديث قد تضمّن ذكر الغيبة ، وقد حُدّثت بها قبل وقوعها ، بما يغني ظهور الإعجاز فيها ، وهو الإعلام بما وقع قبل أن يقع عن الاستفاضة ، وحينئذٍ فيتعيّن أن يكون المراد بالحيرة زمن الغيبة ـ التي هي رأس كلّ بليّة وحيرة ـ ومن لاحظ الكتب المصنّفة في الغيبة ظهر له أنّ إطلاق لفظ الحيرة على زمن الغيبة شائع ذائع فى لسان الأخبار والمحدّثين . ۱ انتهى .
لأنّ هذا الاحتمال مبنيّ على جواز ذكر اللفظ وإرادة خلاف معناه بدون قرينة، وإلّا فالعبارة لا تحتمل هذا المعنى ؛ لأنّه يصرّح بأنّه يجب أن يكون الراوي غيره ، وهذا ظاهر في كراهية نقل الخبر من طريق البرقي، وإلّا إن كان مراده تكثير طريق الرواية، لا يعبّر بهذه العبارة ، بل ينبغي أن يقول : «وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير أحمد بن أبي عبد اللّه أيضاً» ، مع أنّ هذه العبارة أيضا لا تكون صريحةً في هذا المعنى .
والحاصل : إنّ هذا الاحتمال ممّا لا يرضى به الذوق السليم بل يأباه . والّذي يحتمل قوياً هو أنّه لمّا زعم أحمد بن محمّد بن عيسى فيه ما يوجب عدم الوثوق إليه من فساد العقيدة والتحيّر في أمر الإمامة ، أو غير ذلك من الأُمور التي خفيت علينا فقذفه به وأبعده من قمّ، صار ذلك شائعاً ذائعا بين الرواة وحملة الحديث ، فكدّر عقائدهم الصافية بالنسبة إليه وحدث في نفوسهم من أمره شيءٌ ، فكانوا يزعمون فيه فساد العقيدة ، فحينئذٍ يمكن أن يكون حديث الصفّار لمحمّد بن يحيى ذلك في هذا

1.تنقيح المقال : ج ۷ ص ۲۸۹ الرقم ۵۰۹ [۱۴۶۳] .

صفحه از 193