حياة الشيخ الكليني - صفحه 17

سقوط هيبة الدولة من أعين الناس، إليك أهمّها :

أوّلاً : نظام ولاية العهد

وهو نظام سياسي عقيم، وخلاصته: أن يعهد (الخليفة) بالخلافة لمن يأتي بعده مع أخذ البيعة له من الأُمّة كرها في حياته، وهو بهذه الصورة يمثّل قمّة الاستبداد وإلغاء دور الأُمّة وغمط الحقوق السياسية لجميع أفرادها .
وممّا زاد الطين بلّة إعطاء ولاية العهد لثلاثة، وهو ما فعله المتوكّل الذي قسّم الدولة على ثلاثة من أولاده، وهم: المنتصر، والمعتزّ، والمؤيّد ۱ ، ممّا فسح ـ بهذا ـ المجال أمامهم للتنافس ومحاولة كلّ واحد عزل الآخر من خلال جمع الأعوان والأنصار، بحيث أدّى ذلك في بعض الأحيان إلى معارك طاحنة كما حصل بين الأمين والمأمون.
وانتهى هذا النظام بعد قتل المتوكّل، إلّا أنّ البديل كان أشدّ عقما؛ إذ صار أمر تعيين (الخليفة) منوطا بيد الأتراك، مع التزامهم بعدم خروج السلطة عن سلالة العبّاسيين .

ثانيا : عبث الخلفاء العبّاسيين ولهوهم وسوء سيرتهم

مما أدّى إلى تفاقم الأوضاع في هذا العصر، انشغال الخلفاء العبّاسيين بالعبث واللهو، إلى حدّ الاستهتار بارتكاب المحرّمات علنا بلا حريجة من دين أو واعز من ضمير.
وقد عُرِفَ عبثهم ومجونهم منذ عصرهم الأوّل، فالمنصور العبّاسي (136 ـ 158 هـ) مثلاً كان في معاقرته الخمر يحتجب عن ندمائه؛ صونا لمركزه، في حين أعلن ولده المهدي (158 ـ 169 هـ) ذلك، وأبى الاحتجاب عن الندماء.
وقد بلغ الأمر في العصر العبّاسي الأوّل أن ظهر من البيت الحاكم نفسه رجال ونساء عرفوا بالخلاعة والمجون والطرب والغناء. حتّى إذا ما أشرف عصرهم الأوّل على نهايته بالواثق تفشّى الغناء والطرب والمجون بين أرباب الدولة.

1.. تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۴۸۷، تاريخ الطبري : ج ۹ ص ۱۷۶، في حوادث سنة (۲۳۵ ه ).

صفحه از 86