حياة الشيخ الكليني - صفحه 35

والكافي ۱ ، بل كانت لاعتبارات علمية محضة، فبغداد مركز الحضارة، وملتقى علماء المذاهب من شتّى الأمصار، ومستوطن السفراء الأربعة رضوان اللّه تعالى عليهم.
ومن ثمّ فقد غادر الري بعد تجوال طويل في بلاد إيران، فكان عليه الانتقال إلى بغداد؛ لتكون منطلقه إلى مدن العراق والبلاد المجاورة كالشام والحجاز، خصوصا وأنّ العراق يمثّل مركز الثقل الأعظم لتراث أهل البيت عليهم السلام .
وأمّا عن ادّعاء التأثّر بالمنهج العقلي، والإيحاء بأنّه السبب المباشر في هجرة الكليني إلى بغداد دون قمّ فهو زعم باطل من وجوه عديدة، نشير لها باختصار:
الوجه الأوّل: إنّه لو أُجري مَسْحٌ شامل لأحاديث الكافي وتمّ إرجاعها إلى مشايخ الكليني المباشرين ، لوجدت أكثر من ثلثي الكافي يرجع إلى مشايخه القمّيين دون غيرهم.
الوجه الثاني: المعروف أنّ الكليني يحدّث عن سهل بتوسّط (العدّة) غالبا، وبدونها أحيانا، وإذا عُدنا إلى رجال عدّة الكافي عن سهل لا نجد فيهم بغداديا واحدا، بل كلّهم من بلاد الريّ، وما رواه عنه من غير توسّط العدّة فجميعه عن القمّيين.
الوجه الثالث: روايات الكافي وإن تناولت الكثير من المباحث العقلية ، إلّا أنّها مسندة إلى أهل البيت عليهم السلام ، واختيارها لا يكوّن علامةً فارقةً في التأثّر بالمنهج العقلي، ولتأثّر مدرسة قمّ وقادتها بتلك الروايات أكثر من الكليني عدّة مرّات .
الوجه الرابع: ما ورد في ديباجة الكافي يشهد على بُطلان الزعم المذكور ؛ إذ بيّن الكليني أنّه سيتبع المنهج الروائي في تحصيل الأحاديث الشريفة، بل صرّح بعجز العقل عن إدراك جميع الأحكام، وأنّ المُدْرَك منها ما هو إلّا أقلّها.
الوجه الخامس: إنّ سهل بن زياد نفسه كان من مشهوري الرواة، ومنهجه روائي بحت، وليست له آراء عقلية في مرويّاته، حتّى يُدعى تأثّره بالمنهج العقلي، كما أنّ

1.. راجع : الكليني والكافي : ص ۲۶۶ .

صفحه از 86