أشعار الكافي ، دراسة تحليلية - صفحه 297

1 ـ الجانب اللغوي

وفيه يسوق لنا الشيخ الكليني أبياتا هي شواهد لقضايا تتّصل باللغة ، ومن ثمّ يحاول الربط بين الدلالة اللغوية والعقائدية، وصولاً إلى موطن الشاهد والدلالة الجامعة لها ، ومن الأبيات ما ذكره في باب تأويل الصمد من كتاب التوحيد :
قال أبو طالب في بعض ما كان يمدح به النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم من شعره : (من الطويل)
وبالجَمرةِ القُصوى إذا صَمَدوا لهايَؤُمُّونَ رَضخا رأسَها بالجَنادِلِ۱
وقال بعض شعراء الجاهلية شعرا : (من البسيط)
ما كنتُ أحسبُ أنّ بيتا ظاهراللّه ِ في أكنافِ مَكّةَ يُصمَدُ۲
وقال ابن الزِّبرِقان ۳ : (من البسيط)
ولا رهيبةَ إلَا سيّدٌ صمدٌ ۴
وقال شدّاد بن معاوية : (من البسيط)
عَلَوتُهُ بِحُسامٍ ثُمّ قُلتُ لَهُ :خُذها حُذَيفُ فأنتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ۵
والأبيات شواهد على معنى الصمد في اللغة ۶ ، وهذا المعنى له ماهيّات دلالية رحبة تصل قريبا من عشرين معنى ۷ ، ينطلق الشيخ الكليني من خلالها للربط بين المفهوم اللغوي والعقائدي ۸ وصولاً إلى إمكان إدخال جميع تلك المعاني في الماهية المركزية العقائدية؛ لاتّصافه جلّ ذكره بجميع الصفات الكمالية ، ودلالة على كونه مبدأ لكلّية الصفات .
كما يخلص الشيخ الكليني إلى فساد القول في أنّ تأويل الصمد : هو المصمت الذي لا جوف له ۹ ، من خلال مناقشته وتعريته من أن يكون صفة للّه جلّ ذكره، مستدلّاً بآيٍ من الذكر الحكيم وأخبار الأئمّة عليهم السلام ، ولإتمام الفائدة يستدلّ بتلك الأبيات لتأكيد المراد ، وبيان معنى الصمد في اللغة .
وتأسيسا على ما قيل ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ هو :
وإليه يلجؤون عند الشدائد ، ومنه يرجون الرخاء ودوام النعماء، ليدفع عنهم الشدائد ۱۰ .
وفي مقام آخر يورد الشيخ الكليني ما يفرضه التغيير في لفظةٍ ما إلى لفظةٍ أُخرى في البيت من آثار دلالية مختلفة تنقل سياق البيت إلى معانٍ مختلفة وفقا للقواعد المتعارف عليها في العرف اللغوي . قيل : أنشد الكميت أبا عبد اللّه الحسين عليه السلام شعرا : (من الخفيف)
أخلَصَ اللّه ُ لي هَوايَفما أُغرِقُ نَزعا وَلا تَطيشُ سِهامي۱۱
أي جعل اللّه محبّتي خالصةً لكم، فصار تأييده تعالى سبباً لأن لا أُخطئ الهدف، وأُصيب كلّ ما أُريده من مدحكم ، وإن لم أُبالغ فيه ، وقد استعار مدّ القوس إلى أقصاه ليشير به إلى المبالغة في حبّهم من باب الاستعارة ، والمراد بالقوس والسهم المحبّة لهم عليه السلام ، وقد علّق الإمام الحسين عليه السلام على البيت بقوله :
لا تقل هكذا : فما أُغرق نزعا، ولكن قل : فقد أُغرق نزعا ولا تطيش سهامي۱۲.
والفرق بين «ما» النافية و«فقد» التحقيقية مع الفعل الماضي جليّ واضح ۱۳ .
وغرضه عليه السلام من كلّ شيء مدحه وتحسينه ، بأن لا يقصر في مدحنا ، بل يبذل جهده فيه .

1.. ديوان أبي طالب : ص ۲۳؛ وانظر : أُصول الكافي: ج ۱ ص ۱۲۴ .

2.. لم أعثر على قائله فيما اطّلعت عليه من كتب .

3.. هو الزِّبرِقان بن بدر .

4.. ديوان ابن الزِّبرِقان: ص ۵۴، ورواية الديوان: ساروا إلينا بنصف اللّيل فاحتملوافلا رهينةَ إلّا سيّدٌ صمدٌ وانظر : أُصول الكافي: ج ۱ ص ۱۲۴ .

5.. أمالي القالي: ص ۶۵۶ بلا عزو ؛ العقد الفريد: ج ۵ ص ۱۵۳ منسوب إلى عمرو بن الأسلع ؛ الصحاح: ج ۲ ص ۴۹۹ له أيضا ، والبيت مع أبياتٍ أُخرى قيلت في يوم الهباءة ؛ وانظر : أُصول الكافي: ج ۱ ص ۱۲۴ .

6.. الصمد بالتحريك: السيّد المطاع الذي لا يُقضى دونه أمر ، وقيل: الذي يُصمد إليه في الحوائج، أي يُقصد (انظر : لسان العرب: ج ۳ ص ۲۵۸ مادّة «قصد» ) .

7.. انظر : لسان العرب: ج ۳ ص ۲۵۸ مادّة «قصد» .

8.. الصمد من صفاته تعالى عزّ وجلّ ، فهو عبارة عن وجوب الوجود والاستغناء المطلق ، واحتياج كلّ شيء في جميع أُموره إليه ، وهو الذي يكون عنده ما يحتاج إليه كلّ شيء ، ويكون رفع حاجة الكلّ إليه ، ولم يفقد في ذاته شيئا ممّا يحتاج إليه الكلّ، وإليه يتوجّه كلّ شيء بالعبادة والخضوع. انظر : أُصول الكافي: ج ۱ ص ۱۲۴ هامش ۴ .

9.. انظر : لسان العرب: ج ۳ ص ۲۵۸ مادّة «قصد» .

10.. أُصول الكافي: ج ۱ ص ۱۲۴ .

11.. ديوان الكميت: ج ۴ ص ۱۷۹ (الهاشميات)؛ وانظر : روضة الكافي: ج ۸ ص ۲۱۵ .

12.. روضة الكافي: ج ۸ ص ۲۱۵ .

13.. انظر في تفصيل الفروقات اللغوية: شرح أُصول الكافي: ج ۱۲ ص ۲۸۶ ـ ۲۸۷ .

صفحه از 314