أشعار الكافي ، دراسة تحليلية - صفحه 301

3 ـ الجانب الأخلاقي

ومراده بيّن يتّصل بالقيم الأخلاقية، فكانت الأبيات المستشهد بها بيانا وتأكيدا لتلك القيم . ومنها ما أورده الشيخ الكليني في كتاب الإيمان والكفر باب الاستغناء عن الناس ، قال حاتم الطائي : (من الوافر)
إِذا عَزَمتَ اليأسَ أَلفَيتَهُ الغِنىإذا عَرَّفتَهُ النَّفسَ ، والطَّمعُ الفَقرُ۱
فطلب الحوائج من الناس نهب للعزِّ ، واليأس منه عزّ المؤمن في دينه ، والطمع هو الفقر الحاضر ، ولنكن كما قال أمير المؤمنين عليه السلام :
ليجتمع في قلبك : الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم ، فيكون الافتقار إليهم في لين كلامك ، وحسن بشرك ، ويكون حسن استغنائك عنهم في نزاهة عرضك ، وبقاء عزّك۲.
فالبيت مصداق من المصاديق لهذا الباب :
وإن لم يذكره للاستشهاد ، بل للشهرة والدلالة على أنّ ذلك ممّا يذعن به العاقل وإن لم يكن من أهل الدين ۳ .
وفي مكانٍ آخر من الكتاب نفسه في باب الكتمان من باب التقيّة حصرا، نرى الشيخ الكليني يستدلّ بقول الشاعر : (من الطويل)
فَلا يَعدونَ سِرّي وَسِرُّك ثالِثاأَلا كُلُّ سِرٍّ جاوَزَ اثنَينِ شائِعٌ۴
ليكون برهانا مضافا لهذا الباب ، فاستحالة كتم السرّ لأكثر من اثنين شيوع له وتجاوز لآثاره المترتّبة بفعل الشيوع ، ولعلّ المراد باثنين هو الشفتان، وهو أقرب للمعنى وألطف ؛ لأنّهما من مخارج التكلّم وأداة من أدواته ، وعليه فمن كان على تقية وكتم أمر دينه وولائه لأهل البيت عليهم السلام في الدنيا أعزّه اللّه به في الدنيا ، وجعله نورا بين عينيه في الآخرة، يقوده إلى الجنّة ، ومن أذاعه أذلّه اللّه به في الدنيا ، ونزع النور بين عينيه في الآخرة ، وجعله ظلمة تقوده إلى النار ، فلا دين من لا تقية له ۵ .
ومنه ما ورد في كتاب الزكاة باب من أعطى بعد المسألة ، قال الشاعر : (من الطويل)
مَتى آتِهِ يَوما لِأَطلُبَ حاجةًرَجَعتُ إِلى أَهلي وَوَجهي بِمائِهِ۶
فالستر في قضاء الحاجة أحفظ لماء وجه السائل ، فالمرء قد يشعر بذلّ السؤال عند قضاء حاجته ، والمستتر بها مغفور له ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم :
المستتر بالحسنة يعدل سبعين حجّة، والمذيع بالسيّئة مخذول، والمستتر بها مغفورله۷.
وفيه في هذا الباب قول الشاعر : (من الكامل)
وَإِذا ابتُليتَ بِبَذلِ وَجهِكَ سائِلاًفَابذُلهُ لِلمُتَكَرِّمِ المِفضالِ
إِنَّ الكَريمَ إِذا حَباكَ بِوَعدِهِأَعطاكَهُ سَلِسا بِغَيرِ مِطالٍ
وَإِذا السُّؤالُ مَعَ النَّوالِ قَرَنتَهُرَجَحَ السُّؤالُ وَخَفَّ كُلُّ نَوالٍ۸
الذي يقرن فيه قضاء الحاجة وسترها في بكر الحوائج مع عدم ردّ السائل ثانيا؛ لئلّا يقطع شكره على الأوّل ، وفي ذلك ردّ السائل ثانيا سحت للنفس وجدب للسخاء .
ومنه أيضا ما ذكره الشيخ الكليني في كتاب المعيشة باب الدين ، قال الشاعر : (من الطويل)
فَإِن يَكُ يا أُمَيمُ عَلَيَّ دَينٌفَعِمرانُ بنُ موسى يَستَدينُ۹
والبيت في الرواية الأُخرى يرتبط بعتاب يزيد بن طلحة بن عبد اللّه جناح في دَينٍ عليه ۱۰ ، وعمران بن موسى هذا هو عمران بن موسى بن عبيد اللّه ، أُمّه أُمّ ولد يقال لها : جيداء ۱۱ ، وقد وهم المصحّح في هامشه ۱۲ في أنّ المقصود من عمران بن موسى هو النبيّ موسى بن عمران عليه السلام ، وإنّما قُلب للوزن ، وهو شخصية أُخرى كما بيّنا . وفي كلّ الأحوال فإنّ غلبة الدين على المؤمن انكسار للنفس وضياع لها .

1.. البيت غير موجود في ديوانه بتحقيق كرم البستاني، وقد ورد منسوبا إليه في بعض الكتب: تاريخ مدينة دمشق: ج ۱۱ ص ۳۷۷ ؛ بحار الأنوار: ج ۷۲ ص ۱۱۲ ؛ مجمع البحرين: ج ۴ ص ۱۶۰ ؛ وانظر : أُصول الكافي: ج ۲ ص ۱۴۹ ؛ فروع الكافي: ج ۴ ص ۲۱ في كتاب الزكاة باب كراهية المسألة .

2.. أُصول الكافي: ج ۲ ص ۱۴۹ .

3.. شرح أُصول الكافي: ج ۱۲ ص ۵۴۰ .

4.. البيت لقيس بن الحدّادية ، ديوان قيس: ص ۳۸، ورواية الديوان: فلا يسمعنّ . . . ؛ وانظر : أُصول الكافي: ج ۲ ص ۲۲۴ .

5.. انظر : أُصول الكافي: ج ۲ ص ۲۲۴ .

6.. البيت لأبي العتّاهية ، ديوان أبي العتَاهية: ص ۲۵ ، ورواية الديوان: صديق إذا ما جئت أبغيه حاجة ـ رجعت بما أبغي . . . ؛ انظر : فروع الكافي: ج ۴ ص ۲۴ .

7.. فروع الكافي: ج ۴ ص ۲۴ .

8.. الأبيات لأبي العتَاهية ، ديوان أبي العتّاهية: ص ۲۸۶ ورواية الديوان: إنّ الكريم . . . ؛ انظر : فروع الكافي: ج ۴ ص ۲۵ .

9.. البيت ليزيد بن طلحة في مجالس ثعلب: ج ۱ ص ۲۱ ؛ وبلا عزو في الطبقات الكبرى: ج ۵ ص ۱۶۲ ؛ نسب قريشژ: ص ۲۸۶ ، ورواية هذه الكتب: فإن يك يا جناح . . . ؛ انظر : فروع الكافي: ج ۵ ص ۹۵ .

10.. انظر : مجالس ثعلب: ج ۱ ص ۲۱ .

11.. انظر : نسب قريش: ص ۲۸۶ .

12.. انظر: فروع الكافي: ج ۵ ص ۹۵ الهامش ۱ .

صفحه از 314