أشعار الكافي ، دراسة تحليلية - صفحه 306

5 ـ الجانب الحربي

وفيه يتغنّى الشعراء في الحرب بفنون الشعر العربي من فخر ورثاء ومديح ، كقول أبي جهل وهو يفتخر بنفسه : (من الرجز)
ما تَنقِمُ الحَربُ الشَّموسُ مِنّيبازِلُ عامَينِ حَديثُ السِّنِّ
لِمثلِ هَذا وَلَدَتني أُمّي ۱
أورد الشيخ الكليني هذه الأبيات في موضوعٍ أكرم وأعزّ وأذلّ وقعة عند العرب ، والافتخار بالنفس جليّ واضح في هذه الأبيات ، فالحرب لا يقدّرها من لا يقدر عليها ، فهي بدت كالفرس الشموس التي تمنع أيّ أحد أن يركبها، فاستُعير لها الحرب ذلك من باب الإهلاك والشدّة وعدم أمن أيّ أحد من مكارهها ، لكنّه مع ذلك كان مستجمعا للقوّة كالبازل من الإبل، أي الذي طلع نابه وكملت قوّته .
ونظير هذه الأبيات أبياتا أُخرى تسمو رفعةً وتعلو شأنا ؛ لأنّها صادرة من رجلٍ يبرز سيفه ليجهز عدوّه إلى النار ، ومكانته أعلى من أن توصف بأسطرٍ قليلة ، قال الإمام عليّ عليه السلام : (من الرجز)
أَنا ابنُ ذي الحَوضَينِ عَبدِ المُطَّلِبوَهاشِمِ المُطعِمِ في العامِ السَّغِب
أَوفي بِميعادي وَأَحمي عَن حَسَب ۲
وقد يرتبط البيت بحادثة مؤلمة ، كما في بيت ابن أبي عقب الذي تمثل به الإمام الحسين عليه السلام سوسو(من الوافر)
وَيُنحَرُ بِالزَّوراءِ مِنهُم لَدى الضُّحىثَمانونَ أَلفا مِثلُ ما تُنحَرُ البُدنُ۳
فهو يشير إلى حادثة الزوراء ۴ وما تحمله من مآس وويلات .
وقد يتصل البيت بالرثاء ، كما في قول سفيان بن مصعب العبدي وهو يخاطب أم فروة أم الصادق عليه السلام لتبكي على جدها الحسين عليه السلام :
فرو ، جودي بدمعك المسكوب ۵
ومن هذا الجانب قول طالب بن أبي طالب : (من الرجز)
يا رَبِّ إِمّا يَغزُوُنَّ بِطالبٍفي مِقنَبٍ مِن هَذِهِ المَقانِبِ
في مِقنَبِ المُغالِبِ المُحارِبِبِجَعلِهِ المَسلوبَ غَيرَ السّالِبِ
وَجَعلِهِ المَغلوبَ غَيرَ الغالِبِ ۶
فالأبيات تشير إلى خروج طالب بن أبي طالب مع المشركين في بدر، لكنّ هواه كان مع النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم، وكان ممّن رجع إلى مكّة ، وهذه المعاني نلحظها من خلال ما احتوته الأبيات من نكتة بلاغية، ف «المسلوب والمغلوب» قد يُراد بهما أهل الإسلام وأهل الشرك، وهو المراد؛ بدليل قول الإمام الحسين عليه السلام في روايةٍ أنّه كان أسلم ۷ فطلب من اللّه تعالى العزّة والغلبة بأن «يجعل من اختلسه الشيطان غير سالب ومختلس لأهل الإسلام ، ويجعل المغلوب بالهوى غير غالب على أهل الإيمان» ۸ ، ولمّا كان المشركون من أرباب الفصاحة والبلاغة، فهموا مراده ، وأنّه كان معنيا بالتورية ، فلذلك أمروا بردّه لئلّا يفسد عليهم، كما أشار إليه عليه السلام بقوله : « فقالت قريش : إنّ هذا ليغلبنا فردّوه»۹ ؛ خوفا من أن يلحق بأهل الإسلام ويوقع التفرقة والشقاق بين المشركين .

1.. بحار الأنوار: ج ۱۹ ص ۲۹۹ ؛ مجمع البحرين: ج ۱ ص ۱۹۷ ؛ وانظر : روضة الكافي: ج ۸ ص ۱۱۱ .

2.. ديوان الإمام عليّ: ص ۵۰ ؛ انظر : روضة الكافي: ج ۸ ص ۱۱۱ .

3.. تهذيب المقال: ص ۱۴۱ ؛ إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب: ص ۱۳۸ .

4.. انظر : التفصيل في أمر الحادثة:روضة الكافي:۸ ص ۱۷۷ الهامش ۴ ،وتهذيب المقال: ص ۱۴۱ وما بعدها ؛ إلزام الناصب: ص ۱۳۸ ۱۴۰ .

5.. جامع الرواة: ج ۱ ص ۳۶۸ ؛ أعيان الشيعة: ج ۷ ص ۲۶۸ ؛ انظر : روضة الكافي: ج ۸ ص ۲۱۶ ، ولم أعثر على تكملة البيت .

6.. تاريخ الطبري: ج ۲ ص ۱۴۴ ؛ الكامل في التاريخ: ج ۲ ص ۱۲۱ ، ورواية الأبيات فيهما: يا ربّ إمّا يغزون طالبفي مقنب من هذه المقانب فليكن المسلوب غير السالبوليكن المغلوب غير الغالب والبداية والنهاية: ج ۳ ص ۳۲۵ ؛ السيرة النبويّة: ج ۲ ص ۴۵۱ ، ورواية الأبيات فيهما: لاهم إمّا يغزون طالبفي عصبة محالف محارب في مقنبٍ من هذه المقانبفليكن المسلوب غير السالب وليكن المغلوب غير الغالب وانظر : روضة الكافي:۸ ص ۳۷۵ .

7.. انظر : روضة الكافي: ج ۸ ص ۳۷۵ .

8.. شرح أُصول الكافي: ج ۱۲ ص ۵۴۰ .

9.. روضة الكافي: ج ۸ ص ۳۷۵ .

صفحه از 314