بلاء يوسف (ع) في الكافي و نجاته بآل محمّد (ع) مرويات الکافي (مستندا) - صفحه 199

ثانياً: مواصفات قصّة يوسف عليه السلام

تختلف سورة يوسف عن سواها من طوال السور، بأنّها تعالج موضوعاً واحداً فقط هو حياة يوسف، باستثناء بضع آيات في النهاية ، لكنّها على صلة بالآيات الأُخر، وقد أعطى الرسول هذه السورة في مكّة لأوّل المؤمنين من يثرب؛ ليأخذوها معهم لدى عودتهم إلى مدينتهم ۱ .
وغرض السورة بيان ولاية اللّه لعبده الذي أخلص إيمانه له تعالى، يتولّى أمره فيربّيه أحسن تربية، فيورده مورد القرب ويسقيه من مشروعه الزلفي، فيخلصه لنفسه ويحيه حياة إلهيّة، وإن كانت الأسباب بالظاهرة أجمعت على هلاكه، ويرفعه وإن توافرت الحوادث على ضعته، وان دعت النوائب ورزايا الدهر إلى ذلّته وحطّ قدره ۲ .
ومن حيث الإنجاز والإطناب أن نبدأ قصّة يوسف تسير مفصّلة حتّى تنتهي، فما يقع له مع إخوته ، وما يحدث له في مصر بعد شرائه وتربيته ، ومراودة امرأة العزيز له ، وسجنه ، وتعبير رؤيا خادمَي الملك، ثمّ تعبيره رؤيا الملك وخروجه ، وولايته على خزائن الأرض أو وزارتي (المالية والتموين) ، ومجيء إخوته وعودتهم، ومجيء أخيه، وعودة إخوته لأبيهم بدونه ، وكمال القصّة بقدوم أبيه وأهله . . . كلّها تفصّل تفصيلاً دقيقاً؛ لأنّ التفصيل مقصود أوّلاً لإثبات الوحي والرسالة ، وثانياً لأنّ هذه التفصيلات قيمتها الدينية في القصّة ۳ .
وإنّ التناسق بين حلقة القصّة التي تعرض والسياق الذي تعرض فيه، هو الغرض المقدّم، وهذا يتوفّر دائماً، ولا يخلّ بالسمة الفنّية إطلاقاً، ونجد قصصاً أُخر تعرض من حلقة متأخّرة نسبياً، فيوسف تبدأ قصّته صبيّاً ، فمن هذه الحلقة يرى الرؤيا تؤثّر في مستقبله جميعا ۴ .
وقصص القرآن الكريم قصص جادّ، ومساق للعبرة والموعظة ، وليس فيها مجال للتسلية، وعناصر القوّة في القصص القرآني مستمدّة من واقعية الموضوع وصدقه ودقّة عرضه ، والعناية بإبراز الأحداث ذات الشأن في موضوع القصّة ، دون التعرّض للجزئيات التي يشير إليها واقع الحال ، وتدّل عليها دلالات ما قبلها وما بعدها من صور ۵ .
وكان في قصّة يوسف توافق في الختام من نوع خاصّ يتّفق مع القصّة في الابتداء، فقد بدأت القصّة برؤيا يوسف فختمت هذه الرؤيا، وسجود إخوته له وأبويه ، ثمّ بالمشهد الأخير : يوسف ينفض يديه من كلّ شيء ۶ ويتوجّه إلى ربّه بهذا الدعاء الخالص المنيب: «رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَ تِ وَ الْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّ فِى الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَ أَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ»۷ .
ولقد كان القصص المألوف في الحياة العربية قبل القرآن قصصاً خيالياً خرافياً، يُساق للّهو، ويزجي هذه الحياة الجافية القاسية، إلّا الأوهام والخيالات، مركّباً تنتقل بهم اللحظات إلى عالم الأماني والأحلام، ثمّ يصحون بعدها كما يصحو النائم من حلمٍ لا يمسك منه بشيء ، هكذا كان القصص العربي قبل القرآن، لا يستدعي العقل ولا يتّجه إليه، إلّا إذا كان كلّه تقريباً حديثاً جارياً على ألسنة الحيوان أو الجنّ، وهذا من شأنه أن يدعو المرء إلى أن يلقاه في عقله من عقل، حتّى يمكن أن يستمع إليه، وتقبل أذن ما فيه من شلحات ومفارقات . . . أمّا قصص القرآن، فقد جاء على غير هذا الضرب، إذ جاء معرضاً حياً للكثير من أحداث الحياة الماضية ووقائعها ۸ .

1.انظر: تاريخ القرآن لتيودور نولدكة : ج ۱ ص ۱۳۶ ـ ۱۳۷.

2.انظر: قصص الأنبياء للعلّامة محمّد حسين الطباطبائي: ص ۲۰۰.

3.انظر: التصوير الفنّي في القرآن لسيّد قطب: ص ۱۲۸.

4.المصدر السابق: ۱۲۰ ـ ۱۲۶.

5.انظر: إعجاز القرآن لعبد الكريم الخطيب: ج ۲ ص ۳۲۳ ـ ۳۲۴.

6.انظر: التصوير الفنّي في القرآن: ص ۱۳۷.

7.يوسف: ۱۰۱.

8.انظر: إعجاز القرآن : ج ۲ ص ۳۹۶ ـ ۳۹۷.

صفحه از 212