المبحث الثاني : مشاهد قصّة يوسف عليه السلام .
هناك طريقة متبعة في القصص القرآني جميعه على وجه التقريب ، هي تلك الفجوات بين مشهد ومشهد التي يتركها تقسيم المشاهد قصص المناظر ، بحيث تترك بين مشهدين أو حلقتين فجوة يملؤها الخيال ، ويستمتع بإقامة القنطرة بين المشهد السابق والمشهد اللّاحق ، فقصّة يوسف قد قسّمت على ثمانية وعشرين مشهداً ۱ ، ومن مشاهدها :
أوّلاً: مشهد الرؤيا.
قد رأى يوسف عليه السلام ـ وهو صغير قبل أن يحتلم ـ كأنّ أحد عشر كوكباً ـ وهم إشارة إلى بقية إخوته ـ والشمس والقمر ـ وهما عبارة عن أبويه ـ قد سجدوا له ، فهاله ذلك «إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ»۲ .
وهكذا أراد اللّه سبحانه أن يتمّ على يوسف النبيّ نعمته بالعلم والحكم والعزّة والملك، يرفع به قدر آل يعقوب، فبشّره وهو صغير بهذه الرؤيا، فذكر ذلك لأبيه، فوصّاه ۳ فقال : «قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ»۴ ، وهذا قول يعقوب ليوسف، لم يخبر إخوته حتّى لا يكيدونه، فكتم ذلك ۵ .
ولعلّ في البناء الفنّي لقصّة يوسف على الرؤى والأحلام، دليلاً على أنّ جانب العبرة هو ما يهدف إليه القصص القرآني، فيوسف لم يكن داعية كسائر الأنبياء يستخدم فنّ القول ، وإنّما كانت دعوته أنّه كان ناطق صدق بالعمل، مصدّق للإيمان، يستأنس بها المؤمنون ، ولا عجب أنّنا بآية من سورة أُخرى ، نستشعر يوسف من خلالها نبيّاً ، انعكست صورته في الذاكرة الجمعية ۶ ، ولكن قد ظهر يوسف عليه السلام ونشرها، وهكذا كان البلاء ، فاللّه يفعل ما يريد ، وهذا يقودنا إلى مشهد آخر هو :
1.انظر: التصوير الفنّي في القرآن: ص ۱۴۴.
2.يوسف: ۴.
3.انظر: الميزان في تفسير القرآن للعلّامة الطباطبائي : ج ۱۱ ص ۲۵۷.
4.يوسف: ۵.
5.الكافي : ج ۱ ص ۱۹۵.
6.انظر: المكان في القصص القرآني دراسة فنّية لجاسم شاهين كاظم ، رسالة ماجستير في جامعة القادسية: ص ۱۰۴.