القصّة الثامنة : مجلس عالم وتشييع جنازة
جاء رجل من الأنصار إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم، فقال: يا رسول اللّه ، اتّفقت جنازة ومجلس عالم في وقتٍ واحد، فأيّهما أحبّ إليك أن أشهد؟
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: «إن كان للجنازة من يتبعها ويدفنها، فإنّ حضور مجلس عالم أفضل من حضور ألف جنازة، ومن عيادة ألف مريض، ومن قيام ألف ليلة، ومن قيام ألف يوم، ومن ألف درهم يتصدّق بها على المساكين، ومن ألف حجّة سوى الفريضة، ومن ألف غزوة سوى الواجبة تغزوها في سبيل اللّه بمالك ونفسك، فأين تقع هذه المشاهد من مشهد عالم؟! أما علمت أنّ اللّه يُطاع بالعلم، ويُعبد بالعلم؟! وخير الدنيا والآخرة مع العلم، وشرّ الدنيا والآخرة مع الجهل»۱.
عند قراءة هذه القصّة ذات المشهد الواحد والتي يستفتي فيها رجل من الأنصار رسول اللّه حول ما إذا تزاحم أمران، الأمر الاُول تشييع جنازة مسلم، أو حضور درس عند عالمٍ ربّاني، فأيّهما يُقدّم وأيّهما يُفضّل، وهذا السؤال يذكّرنا بحديثٍ لرسول اللّه يقول فيه: «العلم خزائن ومفتاحه السؤال»۲ ، وهذا السؤال من الرجل الأنصاري أوجد فرصة ليضع من وجّه إليه السؤال النقاط على الحروف في جوابه، حيث نجد في الجواب البون الشاسع البعيد بين قيمة ومنزلة ومكانة العلم العظيمة السامقة في منظومة المنهج الإلهي، بين تشييع الجنازة، إذا كان هناك من يتبعها ويدفنها. وليس هذا بغريب، فإنّ أوّل كلمة نزلت من السماء إلى الأرض في كتاب اللّه هي كلمة «اقرأ»، وكرّرت مرّتين، تأكيداً لأهمّية القراءة التي تعني العلم والتنمية العلمية التربوية : «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الْاءِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْاءِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»۳ .
كما أكّد رسول اللّه في كثير من أحاديثه على أهمّية العلم :
اطلب العلم من المهد إلى اللحد۴.
طلب العلم فريضة على كلّ مسلمٍ ومسلمة۵.
وقد جاء في كتاب منية المريد : إنّ رسول اللّه دخل ذات يوم مسجد المدينة فشاهد جماعتين من الناس، كانت الجماعة الاُولى منشغلة بالعبادة والذكر، والأُخرى بالتعليم والتعلّم، فألقى عليهما نظرة فرح واستبشار، وقال للذين كانوا برفقته مشيراً إلى الفئة الثانية ـ فئة التعليم والتعلّم ـ : ما أحسن ما يقوم به هؤلاء ! ثمّ أضاف قائلاً: إنّما بُعثت للتعليم، ثمّ ذهب وجلس مع الجماعة الثانية» ۶ .
ووردت الأحاديث الكثار عن أئمّة الهدى:
في حديث :
من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعلية بالعلم۷.
وفي حديث :
لو علم الناس ما في طلب العلم، لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج۸.
وأيضاً :
كفى بالعلم فخراً أن يدّعيه من لا يحسنه، وكفى بالجهل ذمّاً أن يبرأ منه صاحبه .
وجواب خاتم الأنبياء على سؤال الرجل الأنصاري نصّ آخر صريح يؤكّد منزلة العلم، حيث يقول:
... حضور مجلس عالم أفضل من حضور ألف جنازة .
ومن عيادة ألف مريض .
ومن قيام ألف ليلة .
ومن قيام ألف يوم .
ومن ألف درهم يتصدّق بها على المساكين .
ومن ألف حجّة سوى الفريضة .
ومن ألف غزوة سوى الواجبة تغزوها في سبيل اللّه بمالك ونفسك .
فأين تقع هذه المشاهد من مشهد عالم؟!
أما علمت أنّ اللّه يُطاع بالعلم، ويُعبد بالعلم؟!
وخير الدنيا والآخرة مع العلم، وشرّ الدنيا والآخرة مع الجهل .
1.مسند زيد بن علي : ص ۴۴۵ ، الخصال : ص ۲۴۵ .
2.روضة الواعظين للفتّال النيسابوري : ص ۱۲ .
3.العلق : ۱ ـ ۵ .
4.الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل : ج ۳ ص ۵۰۴ .
5.أُصول الكافي : ج ۱ ص ۳۰ .
6.منية المريد : ص ۱۰ .
7.المجموع للنووي : ج ۱ ص ۲۰ .
8.المعتبر للمحقّق الحلّي : ج ۱ ص ۱۸ .