قصص الكافي، دراسة و نقد - صفحه 152

القصّة السادسة : السؤال الذي أجاب عنه السائل أخيراً

لم يوفّق الطلّاب للإجابة على السؤال الذي طرحه أُستاذهم، فلقد أجاب كلّ واحد منهم جواباً لم يقع موقع القبول لدى الأُستاذ.
كان سؤال أُستاذهم الرسول صلى الله عليه و آله وسلم هو: أيّ عرى الإيمان أوثق؟
أجابه واحد من الصحابة: الصلاة.
النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم: لا.
أجاب آخر: الزكاة.
النبىّ صلى الله عليه و آله وسلم: لا.
أجاب ثالث: الصوم.
النبىّ صلى الله عليه و آله وسلم: لا.
وقال رابع: الحجّ والعمرة.
النبىّ صلى الله عليه و آله وسلم: لا.
أمّا الخامس فقال: الجهاد.
النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم: لا.
كانت النتيجة أنّ الجواب المطلوب لم يصدر من أحد من الطلّاب الحاضرين، بل صدر من المعلّم نفسه، فقال صلى الله عليه و آله وسلم: لكلّ ما قلتم فضل، ولكن ليس المطلوب ما قلتم. إنّ أوثق عرى الإيمان الحبّ في اللّه والبغض في اللّه۱.
عند مطالعة هذه القصّة القصيرة جدّاً نجد مشاهد ثلاثة تلفت انتباه القارئ أو السامع للقصّة:
1 ـ المشهد الاُول فيها هو إثارة سؤال هامّ، يُراد به الوصول إلى الجواب الصحيح منه، والسؤال المثار من قبل المعلّم هو: «أي عرى الإيمان أوثق؟»، وقد قلنا إنّ هذه الطريقة في إثارة السؤال أو الأسئلة طريقة قرآنية نبويّة، في تحليل سابق لقصّة مضت من قصص الكافي، وهي طريقة تستهدف أمرين أساسيّين: الاُول منهما الوصول إلى الحقيقة، والثاني هو إشراك التلاميذ أو مجموعة من الناس الذين أُثير السؤال الممهمّ بالتفكير وتحريك أذهانهم.
فمن أمثلة الأسئلة القرآنية المثارة: «هَلْ جَزَآءُ الْاءِحْسَانِ إِلَا الْاءِحْسَانُ»۲ ؟
وقد تكرّر سؤال واحد هو: «فَبِأَىِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ» في سورة واحدة هي سورة الرحمان (31) مرّة؛ لأهمّية هذا الأُسلوب في طرح الحقائق، والإشارة إليها.
ومن أمثلة الأسئلة المثارة في السنّة: «ألا أدلّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟
قالوا: بلى يا رسول اللّه .
قال صلى الله عليه و آله وسلم: افشوا السلام بينكم»۳.
ومن أمثلة ذلك قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يخاطب بعض أصحابه: « أيحبّ أحدكم أن تكون على عتبة داره حمّة، يغتسل فيها كلّ يوم خمس مرّات فلا يبقى من درنه شيء؟
قالوا: بلى يا رسول اللّه .
قال صلى الله عليه و آله وسلم: إنّها الصلوات الخمس»۴.
وهذه الطريقة في إثارة الأسئلة أقرّها التربويّون قديماً وحديثاً، وعملوا بها، وقد كان الفيلسوف اليوناني سقراط يعمل بها، وكان يقول: إنّ أُمّي كانت تولد الأجنّة من بطون الحوامل، وأنا أولّد الحقائق من الناس من خلال إثارة الأسئلة !
2 ـ المشهد الثاني في هذه القصّة القصيرة هو عدم وصول الطلّاب إلى إجابة صحيحة على السؤال الذي وجّهه إليهم الأُستاذ، فليست الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والعمرة والجهاد هي أوثق عرى الإيمان كما أفادوا، رغم ما لها من فضل، فالتلاميذ في هذا المشهد لم يصلوا إلى الإجابة الصحيحة رغم تعدّدها.
3 ـ وفي مشهد أخير في القصّة يقدّم لهم الأُستاذ الجواب الصحيح على السؤال المطروح أمامهم، بعد هذا الحوار القصير معهم، وبعد الاستماع إليهم، يقدّم لهم الإجابة الصائبة، هل سؤاله الهادف «أيّ عرى الإيمان أوثق؟»، يقدّم الجواب بعد اختبارهم فيقول : «أوثق عرى الإيمان الحبّ في اللّه والبغض في اللّه » ، أن تحبّ أخاك لا لطمعٍ فيه، ولا لخوفٍ منه ، إنّما تحبّه لخصلة أو خصال فيه يحبّها اللّه ، كأن يكون إنساناً معواناً للمحاويج من الناس... وكذلك لا تبغض أحداً انطلاقاً من المزاج، لا تبغض أحداً لأنّه قصير القامة، أو لأنّه أسود اللون، أو لأنّه ينتمي إلى قومية غير قوميتك، أو إلى بلدٍ لا تحبّه ، إنّما تبغضه لوجود صفات فيه لا يحبّها اللّه ، كأن يكون مغتاباً أو نمّاماً أو كذّاباً وما إلى ذلك من الخصال المبغوضة عند اللّه كما يراها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، إنّ رسول اللّه يرى أنّ أوثق عرى الإيمان هو «الحبّ في اللّه والبغض في اللّه ».

1.الكافي : ج ۲ ص ۲۵ ، باب الحبّ في اللّه والبغض في اللّه ؛ وسائل الشيعة : ج ۲ ص ۴۹۷ .

2.الرحمان : ۶۰ .

3.مستدرك الوسائل : ج ۸ ص ۳۶۲ .

4.وسائل الشيعة : ج ۳ ص ۲؛ فلسفة الصراع : ص ۲۲ .

صفحه از 171