قصص الكافي، دراسة و نقد - صفحه 154

القصّة السابعة : جويبر والذلفاء

كان جويبر رجلاً قصيراً ذميماً، محتاجاً عارياً، وكان أسوداً من قباح السودان، وكان من أهل اليمامة. جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم طالباً الإسلام، فأسلم على يده صلى الله عليه و آله وسلم، وحَسُن إسلامه.
ضمّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لحال غربته واحتياجه، فكان يجري عليه طعاماً صاعاً من تمر، وكساه شملتين، وأمره أن يلزم المسجد ويرقد فيه في الليل، فمكث هناك ما شاء اللّه ، حتّى كثر الغرباء ممّن يدخلون في الإسلام، من أهل الحاجة بالمدينة، إلى أن ضاق بهم المسجد، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم أن طهّر مسجدك وأخرج من المسجد من يرقد فيه بالليل.
أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بعد ذلك أن يتّخذ المسلمون سقيفة، فعملت لهم وهي الصفّة، ثمّ أمر الغرباء والمساكين أن يظلّوا فيها نهارهم وليلهم، فنزلوا واجتمعوا فيها، فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يتعهّدهم بالبرّ والتمر والشعير والزبيب ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وكان المسلمون يتعهّدونهم ويرقّون عليهم لرقّة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم.
نظر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إلى جويبر ذات يوم، وقال له:
يا جويبر، لو تزوّجت امرأةً فعففت بها فرجك، وأعانتك على دنياك وآخرتك.
فقال جويبر: يا رسول اللّه ، بأبي أنت وأُمّي، من يرغب فيَّ، فواللّه ما من حسبٍ ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأيّة امرأة ترغب بي؟
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم:
يا جويبر، إنّ اللّه قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلّهم، أبيضهم وأسودهم وقرشيهم، وعربيهم وأعجميهم من آدم وأنّ آدم خلقه اللّه من طين، وأنّ أحبّ الناس إلى اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحدٍ من المسلمين عليك اليوم فضلاً، إلّا لمن كان أتقى للّه منك وأطوع.
ثمّ قال له:
انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد فإنّه من أشرف بني بياضة حسباً ـ وهي قبيلة من الأنصار ـ وقل له: إنّي رسول رسول اللّه إليك، وهو يقول لك: زوّج جويبراً ابنتك الذلفاء.
انطلق جويبر برسالة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إلى زياد بن لبيد وهو في منزله، ورهط من قومه لديه، فاستأذنه بالدخول، فأذن له، فدخل فسلّم عليه، ثمّ قال: يا زياد بن لبيد، إنّي رسول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إليك في حاجةٍ لي، أفأبوح بها أم أسرّها إليك؟
فقال له زياد: بل بح بها، فإنّ ذلك شرف لي وفخر، فقال له جويبر: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلميقول لكم زوّج جويبراً ابنتك الذلفاء. فقال له زياد: أرسول اللّه أرسلك إليَّ بهذا؟
ـ نعم، فما كنت لأكذب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم.
فقال له زياد: إنّا لا نزوّج فتياتنا إلّا أكفّاءنا من الأنصار.
ثمّ قال له: انصرف يا جويبر حتّى ألقى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فأخبره بعذري.
انصرف جويبر وهو يقول: واللّه ما بهذا نزل القرآن ولا بهذا ظهرت نبوّة محمّد صلى الله عليه و آله وسلم.
فسمعت مقالته الذلفاء بنت زياد وهي في خدرها، فأرسلت إلى أبيها تستدعيه، فدخل إليها، فقالت له: ما هذا الكلام الذي سمعتك تحاور به جويبراً؟
فقال لها: ذكر لي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أرسله، وقال: يقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: زوّج جويبراً ابنتك الذلفاء.
فقالت له : واللّه ما كان جويبراً ليكذب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بحضرته، فابعث الآن رسولاً يردّ عليك جويبراً.
فبعث زياد رسولاً فلحق جويبراً وجاء به، فقال له زياد : يا جويبر مرحباً بك، اطمئنّ حتّى أعود إليك.
ثمّ انطلق زياد إلى رسول اللّه فقال له: بأبي أنت وأُمّي أنّ جويبراً أتاني برسالتك وقال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يقول لك: زوّج جويبراً لابنتك الذلفاء، فلم ألن له بالقول، ورأيت لقاءك، ونحن لا نزوّج فتياتنا إلّا أكفّاءنا من الأنصار.
فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: يا زياد، جويبر مؤمن، والمؤمن كفو للمؤمنة، والمسلم كفو للمسلمة، زوّجه يا زياد ولا ترغب عنه.
رجع زياد إلى منزله ودخل على ابنته، فقال لها ما سمعه من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم، فقالت له: إنّك إن عصيت رسول اللّه كفرت، فزوّج جويبراً. فخرج زياد فأخذ بيد جويبر، ثمّ إلى قومه، وزوّجه على سنّة اللّه وسنّة رسوله صلى الله عليه و آله وسلم، وضمن صداقه.
جهّز زياد ابنته الذلفاء وهيّأها، ثمّ أرسلوا على جويبر فقالوا له: ألك منزل فنسوقها إليك؟ فقال: واللّه ما من منزل.
فهيّأوا لجويبر منزلاً وأثّثوه بالفراش والمتاع، وكسوا جويبراً ثوبين، وأُدخلت الذلفاء بيتها، وأُدخل جويبراً عليها.
فلمّا رآها ورأى ما منحه اللّه من نعمة قام إلى زاوية البيت، فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً ساجداً حتّى طلع الفجر، فلمّا سمع النداء خرج وخرجت زوجته إلى الصلاة، فسُئلت : هل مسّكِ؟ فقالت : ما زال تالياً للقرآن وراكعاً حتّى سمع النداء فخرج. وهكذا كانت الحال في الليلة الثانية والثالثة، فلمّا كان اليوم الثالث أُخبر أبوها بالخبر، فانطلق إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلموحكى له ما كان من أمر جويبر.
فأرسل النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم إلى جويبر يطلبه، فلمّا حضر قال صلى الله عليه و آله وسلم: أما تقرب النساء؟
فأجاب جويبر: أوما أنا بفحل! إنّي لنهم إلى النساء يا رسول اللّه .
فقال صلى الله عليه و آله وسلم : قد خُبرت بخلاف ما وصفت به نفسك، وقد هيّأوا لك بيتاً وفراشاً ومتاعاً.
فأجاب جويبر : يا رسول اللّه ، دخلت بيتاً واسعاً ورأيت فراشاً ومتاعاً، ودخلت عليَّ فتاة حسناء، فذكرت حالي التي كنت عليها وغربتي وحاجتي وضيعتي وكسوتي مع الغرباء والمساكين، فأحببت إذ أولاني اللّه ذلك، أن أشكره على ما أعطاني وأتقرّب إليه بحقيقة الشكر، فرأيت أن أقضي الليل مصلّياً والنهار صائماً، ففعلت ذلك ثلاثة أيّام ولياليها، ولكنّي سأرضيها وأرضيهم الليلة.
فأرسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إلى زياد فأتاه، فأعلمه ما قال جويبر.
وفى جويبر بقوله، وعاش مع زوجته بسعادة وأنس وصفاء، إلى أن خرج النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمإلى غزوة، فخرج معه فاستشهد، وبعد استشهاد جويبر، لم تكن في الأنصار امرأة حرّة أروج في رغبة الناس إلى الزواج منها، وبذل الأموال الطائلة في الحظوة بها من الذلفاء ۱ .
القصّة المذكورة تعالج قضية اجتماعية أيّام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم، ويعيشها الناس في أيّامنا هذه ... وهي المقاييس الخاطئة في الزواج، والمقاييس السليمة فيه، وهي قضية مهمّة جدّاً في الحياة، وأساسية وضرورية، وليست قضية هامشية.
وفيما يلي مشاهد هذه القصّة الموحية المعبّرة المصوّرة:
1 ـ تبدأ القصّة بذكر صفات الرجل (جويبر)، وهذا الاسم هو تصغير (جابر)، تبدأ القصّة بذكر صفاته الجسدية، فهو رجل قصير، وهو كذلك ذميم الخلقة، وهو فقير مادّياً إلى حدّ العري، وهو أسود اللون، ومن قباح السود، وهو أيضاً من أهل اليمامة وليس من أهل الحجاز، فهو غريب، وقد قدم إلى مركز الدولة الإسلامية المحمّدية المدينة المنوّرة إبان وجود قائد الدولة وخاتم الأنبياء محمّد بن عبد اللّه ، طالباً الإسلام الذي وجد فيه نفسه وعزّته وكرامته، فأسلم علي يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وحَسُن إسلامه.
2 ـ ونجد في مشهدٍ ثان الرعاية النبويّة الكاملة لهذا الإنسان الغريب المسلم، فكان خاتم الأنبياء يقدّم له الطعام والكساء والمنام ليلاً في المسجد النبويّ، وكان يقدّم له الرعاية الأبوية الأخلاقية المعنوية والعاطفية والرفق في المعاملة له ولغيره. وعندما كثر الغرباء من أمثال جويبر وضاق بهم المسجد، أمر رسول اللّه بأمرٍ من ربّه أن يختار لهم مكاناً آخر غير المسجد، فاتّخذت سقيفة وهي (الصفّة) خارج المسجد ۲ ، واستمرّت الرعاية النبويّة المادّية والمعنوية لهؤلاء الغرباء ومنهم جويبر.
3 ـ وفي مشهدٍ ثالث في مشاهد هذه القصّة يعرض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فكرة الزواج على (جويبر) المعدم، وتأسيس عائلة ليحرز نصف دينه، إلّا أنّ جويبر يشكّ في أمر قبوله من إحدى النساء، حيث لا نسب ولا حسب ولا مال ولا جمال! وهي المقاييس الجاهلية التي تواضع عليها الناس، لكنّ الرسول الأعظم يصحّح لجويبر هذه النظرة الخاطئة، وهذه المقاييس الجاهلية، فيقول له: يا جويبر، إنّ اللّه قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية ـ قبل بزوغ فجر الإسلام ـ شريفاً ـ كأبي لهب وأبي سفيان والوليد ـ ، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً ـ كبلال وصهيب ـ ، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلّهم ـ بكلّ قومياتهم وطبقاتهم وألوانهم وبلدانهم وأجناسهم ـ أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وأعجميهم، من آدم ـ وأنّ آدم خلقه اللّه من طين ـ وأنّ أحبّ الناس إلى اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة أطوعه له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين ـ مهما علا نسبه وحسبه وكثر ماله وبان جماله ـ عليك اليوم فضلاً، إلّا لمن كان أتقى للّه منك وأطوع!
ففي هذا المشهد يرفض رسول اللّه مقاييس الجاهلية في التفاضل بين الناس، ويؤكّد المقاييس الإلهيّة في ذلك، وهي التقوى والطاعة للّه ، ويرفض النظرة الخاطئة لمقاييس التفاضل، سواء تلك التي يحملها زياد بن لبيد، أو غيره!
4 ـ في المشهد الرابع من هذه القصّة الجميلة القصيرة يبدأ خاتم الأنبياء ـ بعد عرض فكرة الزواج على جويبر أو التحاور معه حول المقاييس الجاهلية الخاطئة والمقاييس الإلهيّة السليمة ـ يبدأ بأمره باتّخاذ خطوة عملية، وذلك بالذهاب والانطلاق إلى بيت زياد بن لبيد الأنصاري، فهو من أشرف بني بياضة حسباً، وهي قبيلة من الأنصار، ليحمل رسالة شفوية من رسول اللّه إلى زياد، تقول: إنّي رسول رسول اللّه إليك، وهو يقول لك: زوّج جويبراً ابنتك الذلفاء!
5 ـ وفي مشهد خامس يصل جويبر إلى بيت زياد بن لبيد ـ وهو لا يصدّق أنّ الأمر سوف يحصل ـ وقد وجد في البيت بعضاً من قوم زياد (الأنصار)، فاستأذن بالدخول فأذن له، وبعد أن استقرّ به المجلس أفصح عن نفسه أنّه رسول رسول اللّه في حاجة، وخيّره بين ذكر الحاجة أمام قومه أو يكون الإعلان عن الحاجة سرّاً بينهما فقط، فاختار زياد الاُول، فأعلن جويبر عن حاجته، وهي التزوّج من ابنته الذلفاء بأمر رسول اللّه ، وفوجئ زياد بهذه الحاجة قائلاً: إنّا لا نزوّج فتياتنا إلّا أكفّاءنا من الأنصار! وقال زياد لجويبر: انصرف حتّى ألقى رسول اللّه فأخبره بعذري في الامتناع عن التزويج! وبهذا نرى رواسب الجاهلية ومقاييسها لم تزل موجودة في ذهنية وتصرّف زياد بن لبيد.
6 ـ وفي المشهد السادس ينصرف جويبر وهو يقول: واللّه ما بهذا نزل القرآن، ولا بهذا ظهرت نبوّة محمّد! وتعود خائباً إلى رسول اللّه ! فهو قد سمع مراراً وتكراراً من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم حديثه الشهير : «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، ألّا تفعلوا تكن فيالأرض فتنة وفساد كبير»۳ ، وجويبر يملك الدين والخلق، وهما أمران أساسيان في قبوله كزوج، وإن افتقد بعض الأُمور الثانوية، فلماذا يُرفض كطالب للزواج، ونبوّة محمّد ظهرت بالتيسير في الأُمور لا التعسير، وظهرت بالخلق العظيم، الذي كان يتّصف به ربّان السفينة وقائد المسيرة.
7 ـ في المشهد السابع نرى الفتاة المخطوبة المطلوبة (الذلفاء بنت زياد الأنصارية) وهي تسمع مقالة أبيها زياد لجويبر وهي في خدرها، فطلبت أباها على الفور، فدخل عليها، فقالت له مستنكرة: ما هذا الكلام الذي سمعتك تحاور به جويبراً؟! فأجابها بما كان! فقالت لأبيها: واللّه ما كان جويبر يكذب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم، فابعث الآن رسولاً يردّ عليك جويبراً! فعاد جويبر، فأبقاه في البيت، وذهب زياد إلى رسول اللّه يستوضح منه الأمر، فكان جواب رسول اللّه مطابقاً تماماً لما قاله جويبر، أعاد زياد مقالته لجويبر على رسول اللّه قائلاً: ونحن لا نزوّج فتياتنا إلّا أكفّاءنا من الأنصار. تصدّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لتصحيح هذا المفهوم الخاطئ وهذه الرؤية غير السليمة، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم: يا زياد، جويبر مؤمن، والمؤمن كفوٌ المؤمنة، والمسلم كفوٌ المسلمة، فزوّجه يا زياد، ولا ترغب عنه (أي لا تكره تزويجه)، وهنا نجد النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمناصحاً لزياد و «الدين النصيحة» ۴ ، ولم يكرهه على ذلك.
8 ـ في المشهد الثامن من هذه القصّة القصيرة الجميلة في كتاب الكافي يرجع زياد إلى بيته بعد ملاقاته لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمومحاورته له، يعود ليقرّر تزويج ابنته الذلفاء برغبة وطوعية منه ومنها وأمام قومها، وامتثالاً لما أمر به رسول اللّه والتزاماً بنصيحته ـ وهو المغيّر والمصلح وهو المثل والقدوة ـ فيأخذ بيد جويبر، ويزوّجه على سنّة اللّه وسنّة رسول اللّه ، ويجهّز ابنته الذلفاء، ويعدّوا لجويبر منزلاً مؤثّثاً بالفراش والمتاع، ويشتروا له ثوبين، ويدخلوا جويبراً على الذلفاء، ويتمّ تأسيس الشركة الإلهيّة المباركة بين مؤمنَين اثنين وعضوين في أُمّة محمّد، أُمّة الإسلام.
9 ـ في المشهد التاسع من مشاهد هذه القصّة المعبّرة نجد جويبراً ـ وقد عظمت في عينه النعمة التي أنعم اللّه بها عليه، من زوجة جميلة ومنزل مؤثّث ووساطة رسول اللّه ، وما إلى ذلك ـ يمتنع من الاقتراب من زوجته ثلاثة أيّام قضاها في تلاوة كتاب اللّه والصلاة والدعاء وصيام النهار، حتّى إذا علم أبوها بذلك ذهب إلى رسول اللّه شارحاً الموقف! فيرسل عليه ويستوضح منه حقيقة الأمر، فيقول : إنّما فعلت ذلك شكراً للّه ، ولكن من الآن، بعد تمام هذه الأيّام الثلاثة سأُرضيها وأُرضيهم. وينقل رسول اللّه لزياد هذا التأكيد من جويبر ويطمئنه على أنّه قادر على فعل ما يفعله الرجال بزوجاتهم!
10 ـ وفي هذا المشهد من مشاهد القصّة التي تحكي لنا أوضاع المجتمع في الزواج بين الجاهلية والإسلام يفي جويبر بوعده، ويعيش مع زوجته الأنصارية بتمام السعادة والصفاء والإسلام؛ لأنّهما كانا متوافرين على صفتي الزواج الأساسيتين، وهما (الدين والخلق)، وفي ظلال الإسلام ورسول اللّه ، وبالرغم من التفاوت الطبقي بين الزوج والزوجة، فالإسلام لا يعترف بالتمايز الطبقي وبالاختلاف في المكوّن القومي أو اللوني.
11 ـ وفي المحطّة الأخيرة والمشهد الأخير من حياة جويبر، كان على موعد مع الشهادة، وهي قمّة السعادة، وقد كان رسول اللّه يقول: «فوق كلّ برّ برّ، حتّى يُقتل الرجل في سبيل اللّه ، فإذا قُتل في سبيل اللّه ، فليس فوقه برّ»۵ ، فقد خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمإلى غزوة، وخرج معه الزوج السعيد جويبر، فختم حياته بالشهادة في سبيل اللّه ، ولوجه اللّه ، وتحت قيادة رسول اللّه ، فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم عاش ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّاً.

1.أُصول الكافي : ج ۵ ص ۳۴۱ . والذلفاء صغيرة الأنف مع تسطّح الأرنبة .

2.وهي الآن في عصرنا أصبحت داخل المسجد النبويّ؛ للتوسّع المستمرّ في المسجد .

3.سنن الترمذي : ج ۲ ص ۲۷۴ ؛ السنن الكبرى : ج ۷ ص ۸۳ .

4.مسند أحمد : ج ۱ ص ۳۵۱؛ سنن الدارمي : ج ۲ ص ۳۱۱ .

5.بحار الأنوار : ج ۷۱ ص ۶۹ ، تفسير القرطبي : ج ۸ ص ۲۶۷ .

صفحه از 171