القصّة التاسعة : السعي في حوائج الإخوان
كان صفوان الجمّال حاضراً في مجلس الإمام الصادق عليه السلام ، إذ دخل على الإمام رجل من أهل مكّة يقال له ميمون، وشكا للإمام تعذّر الكراء عليه، فقال الإمام عليه السلام لصفوان: قم وأعن أخاك على قضاء حاجته . فقام صفوان وذهب مع الرجل، فيسّر اللّه له كراه، ثمّ رجع صفوان إلى مجلس الإمام عليه السلام ، فسأله الإمام عليه السلام : ما صنعت في حاجة أخيك؟ قال: قضاها اللّه .
فقال الإمام الصادق عليه السلام : أما أنّك إذا أعنت أخاك المسلم أحبّ إليّ من طواف أُسبوع بالبيت.
ثمّ أضاف: إنّ رجلاً أتى الإمام الحسن عليه السلام وقال: أعنّي على قضاء حاجة، فتنعّل الإمام وقام معه، فمرّا على الحسين عليه السلام وهو قائم يصلّي، فقال الإمام الحسن عليه السلام للرجل: أين كنت عن أبي عبد اللّه تستعينه على حاجتك؟ قال: أردت أن أُعلمه بحاجتي فأخبرني بأنّه معتكف.
فقال الإمام عليه السلام : أما أنّه لو أعانك، كان خيراً له من اعتكافه شهراً.
في هذه القصّة نشاهد عدّة مشاهد وصوراً معبّرة وملفتة للنظر:
1 ـ المشهد الاُول نجد فيه الإمام جعفر الصادق عليه السلام ـ في المدينة المنوّرة ـ وهو يحمل هموم المجتمع الكبير الذي ينتمي إليه، يحمل كذلك هموم أفراد وأشخاص هذا المجتمع، فهذا رجل من أهل مكّة، يقال له ميمون يشكو إليه تعذّر الأجرة عليه، فيكلّف الإمام أحد رجاله (صفوان) لقضاء حاجته عاجلاً وبدون تأجيل.
وقد وردت الروايات في أهمّية السعي في حوائج الإخوان.
فعن خاتم الأنبياء في حديثه المشهور:
خير الناس من نفع الناس۱.
وعنه صلى الله عليه و آله وسلم:
الساعي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة، وقاضي حاجته كالمتشخّط بدمه يوم بدر وأُحد۲.
وعن الإمام أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام :
اعلموا إنّ حوائج الناس إليكم من نعم اللّه عليكم۳.
وفي سيرة الإمام الحسن عليه السلام : إنّه كان قد خرج يطوف بالكعبة، فقام إليه رجل فقال: يا أبا محمّد! اذهب معي في حاجتي إلى فلان. فترك عليه السلام الطواف وذهب معه. لماذا ذهب؟ خرج إليه رجل حاسد للرجل الذي ذهب معه، فقال: يا أبا محمّد! تركت الطواف وذهبت مع فلان إلى حاجة؟! فقال له الإمام الحسن عليه السلام : وكيف لا أذهب معه ورسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال: من ذهب في حاجة أخيه المسلم فقُضيت حاجته، كُتبت له حجّة وعمرة، وإن لم تُقض له كُتبت له عمرة؛ فقد اكتسبت حجّة وعمرة، ورجعت إلى طوافي»۴.
2 ـ المشهد الثاني في هذه القصّة هو متابعة الإمام الصادق عليه السلام لهذه المسألة، وعدم الاكتفاء بإسناد قضاء الحاجة إلى صفوان، وكفى اللّه المؤمنين القتال! إنّ الإمام هنا يعطينا درساً عملياً في ضرورة متابعة حاجات الناس والسؤال عن ذلك، فحينها يرجع صفوان المكلّف بقضاء حاجة أخيه (ميمون) إلى مجلس الإمام، يسأله الإمام: ما صنعت في حاجة أخيك؟ فيقول له صفوان: قضاها اللّه ، فيقول الصادق عليه السلام : أما أنّك إذا أعنت أخاك المسلم أحبّ إليَّ من طواف أُسبوع بالبيت.
3 ـ في المشهد الثالث من هذه القصّة النافعة، يضيف الإمام ما يؤكّد على أهمّية قضاء حوائج الإخوان، يضيف ذلك أمام صفوان وأمام الآخرين في مجلسه ليؤكّد هذه المسلكية الحميدة التي يحبّها رسول اللّه ، فيقول: إنّ رجلاً أتى الإمام الحسن عليه السلام وقال: أعنّي على قضاء حاجة، فتنعّل الإمام وقام معه، فمرّا على الحسين7 وهو قائم يصلّي، فقال الإمام الحسن عليه السلام للرجل: أين كنت عن أبي عبد اللّه ـ شقيق الحسن ـ تستعينه على حاجتك؟ قال الرجل: أردت أن أعلمه بحاجتي فأخبرني بأنّه معتكف. فقال الإمام الحسن معلّقاً: أما أنّه لو أعانك، كان خيراً له من اعتكافه شهراً.
فهل نتأسّى بهؤلاء الأعاظم الذين عمرت بهم النفوس وتغيّرت وصلحت؟
1.أُصول الكافي : ج ۲ ص ۱۹۹ .
2.جامع أحاديث الشيعة : ج ۱۶ ص ۱۷۸ .
3.بحار الأنوار : ج ۷۵ ص ۲۸۱ .
4.مستدرك الوسائل : ج ۱۲ ص ۳۶۹ .