قصص الكافي، دراسة و نقد - صفحه 166

نتائج بحث قصص «الكافي» وخلاصته

عند دراستنا للقصص والحوارات في كتاب الكافي خرجنا من دراستنا النقدية بما يلي:
إنّ القصص لها أهمّيتها الفائقة المميّزة في التربية والتعليم والتوجيه وتغيير السلوك، وهي أفضل وسيلة في ذلك.
إنّ قصص الكافي ـ نظراً لأهمّيتها وخطورتها وضرورتها ـ جزء أساس من كتاب الكافي ، وليست أمراً هامشياً ثانوياً ، وهي ـ القصص ـ كذلك في أشقّاء الكافي من أُمّهات ومصادر الكتب، مثل البحار والتهذيب والاستبصار وكتاب من لا يحضره الفقيه .
إنّ هذه القصص متأثّرة إلى حدٍّ بعيد بقصص القرآن العظيم ، ومنعكسة عنها، وأهمّ عنصر مشترك فيها هو التصوير في التعبير ، والتأثير في الآخر، لخروج الكلمات من القلب والكلمة التي تخرج من القلب تدخل إلى القلب، بينما الكلمة التي تخرج من اللسان لا تتعدّى الأذان، والكلمات الخارجة من القلب أقدر على إيصال الفكرة وترسيخها، قياماً بمهمّة التغيير الذاتي ، تغيير النفوس من أجل إحداث التغيير الخارجي على مختلف الصعد: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»۱ ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام :
ميدانكم الاُول أنفسكم، فإن قدرتم عليها فأنتم على غيرها أقدر، وإن عجزتم عنها فأنتم على غيرها أعجز، فجرّبوا معها الكفاح أوّلاً۲.
إنّ العنصر الأساس في قصص الكافي ـ كما في غيره من أُمّهات الكتب وفي مقدّمتها القرآن المجيد ـ هو العبرة والاعتبار : «لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ»۳ .
إنّ هذه القصص لا تحكي ما جرى في الزمان الماضي الغابر، ولا تنغلق عليه، وإنّما تنفتح على الحاضر والمستقبل، فهي تخترق الحواجز والحدود الزمانية والمكانية، لتبقى حاجة الأجيال المتعاقبة، ومنارات لها في دروب الحياة.
وتأسيساً على ما سبق في النقطة الخامسة، نلاحظ في القصص التي أوردناها أنّها جاءت لأغراض وأهداف متعدّدة، فقصّة تعالج تقاليد اجتماعية طبقية جاهلية في قصّة (جويبر والذلفاء)، حيث يقول زياد بن لبيد، حينما جاء بإيعاز من النبيّ صلى الله عليه و آله وسلميخطب ابنته الأنصارية الحسناء، يقول زياد لجويبر بعد أن عرض الموضوع: «إنّا لا نزوّج فتياتنا إلّا أكفّاءنا من الأنصار!»، وهو يستمهل جويبر حتّى يلتقي بالنبيّ صلى الله عليه و آله وسلمليستوضح الأمر، فلمّا لقي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم استبدل الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم مفهوم زياد بن لبيد الجاهلي بمفهوم إسلامي نبويّ آخر يقول: «المؤمن كفؤ المؤمنة» ، وتمّ الزواج وفق هذا المقياس الإلهي الجديد.
وفي قصّة ثانية نلاحظ أنّها تعالج حالة نفسية، وهي الاعتماد على الغير في حلّ الأزمات الشخصية، بينما يصل في النهاية إلى الحقيقة، ألا وهي أنّ حلّ الأزمات ينبع من داخل النفس والقرار الذي يتّخذه الإنسان بنفسه والإرادة التي يتمتّع بها، وقد جاء في الحديث الشريف أنّ : «المعونة على قدر المؤونة».
وفي قصّة ثالثة نضع أيدينا على عبرة ودرس وغرض آخر، عندما يتمكّن مسلم حقيقي من تغيير شخص ذمّي فيتحوّل إلى مسلم في النهاية من خلال سلوك المسلم المثالي ودعوة الحال لا دعوة المقال واللسان، وهكذا تتعدّد الأغراض، لتصب جميعها في خدمة الإنسان وتغييره فكرياً وشعورياً وسلوكياً نحو الأفضل.
إنّ التعبير البلاغي ـ النبويّ أو الإمامي ـ يتناول القصص بريشة التصوير المبدعة، التي يتناول بها جميع المشاهد والمناظر التي يعرضها، فتستحيل القصّة حادثاً يقع، أو مشهداً متحرّكاً يجري، لا قصّة تروى، ولا حادثاً قد مضى، وهذه ميزة فنّية مشتركة بين قصص القرآن وقصص الكافي، بفضل الأُسلوب التصويري في التعبير.

1.الرعد : ۱۱ .

2.نهج البلاغة .

3.يوسف : ۱۱۱ .

صفحه از 171