علم الأئمّة (ع) بالغيب و الاعتراض عليه بالإلقاء للنفس إلي التهلکة.. - صفحه 39

الاعتراض الثاني :

إنّ الرسول والإمام إذا كانا يعلمان الغيب ، فلا بدّ أن يعرفا ما يضرّهما ويسوؤهما ، والعقل والشرع يحكمان بوجوب الاجتناب والابتعاد عمّا يسوء ويضرُّ ، بينما نجد وقوع النبيّ والإمام فيما ضرّهما وآذاهما .
وقد جاء التصريح بهذه الحقيقة على لسان النبيّ في قوله تعالى : «وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»۱ ، ولو كان الأئمّة يعلمون الغيب ، لما أقدموا على أعمالٍ أدّت إلى قتلهم وموتهم ، وورود السوء عليهم ، كما أقدم أمير المؤمنين عليه السلام على الذهاب إلى المسجد ليلة ضربه ابن ملجم ، فمات من ضربته ، وكما أقدم الحسين عليه السلام على المسير إلى كربلاء ، حيث قُتل وسبُيت نساؤه وانتُهب رحلُه .
فإنّ كلّ ذلك لو كان مع العلم به ، لكان من أوضح مصاديق الإلقاء للنفس في التهلكة ، الّذي نهى عنه اللّه في قوله تعالى : «وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»۲ .
وقد أُثير هذا الاعتراض الثاني قديما جدّا ، حتّى أنّا نجده معروضا على الأئمّة عليهم السلام أنفسهم ، ونجده مطروحا في القرون التالية مكرّرا ، كما قد تعدّدت الإجابات عنه كذلك عبر القرون .
وقد حاولنا في هذا البحث أن نسرد الاعتراض بصيغه المختلفة ، وحسب تواريخها المتوالية ، مع ذكر الإجابات عنه كذلك .

1.. الأعراف : ۱۸۸ .

2.. البقرة : ۱۹۵ .

صفحه از 135