علم الأئمّة (ع) بالغيب و الاعتراض عليه بالإلقاء للنفس إلي التهلکة.. - صفحه 73

وأمّا بالنسبة إلى الإمام الحسين عليه السلام :

فقد ورد في السؤال البحث عن ثلاثة أُمور :
1 ـ عن علم الإمام عليه السلام بأنّ أهل الكوفة يخذلونه ولا ينصرونه .
2 ـ عن علمه عليه السلام أنّه مقتول في سفرته تلك .
3 ـ عن السبب في عدم حفره لتحصيل الماء .
والمفيد رحمه الله لم ينف علم الإمام بذلك كلّه ، ولم يقل باستحالته وامتناعه ، بل هو لم يُجب عن السؤال ، ولعلّ سكوته كان من أجل ثبوته ، لتظافر الأخبار المعلنة عن خبر مقتل الحسين عليه السلام ومكانه ، بما لم يبق ريبٌ فيه للمخالفين ، حتّى عدُّوه من دلائل النبوّة وشواهدها الثابتة ، كما سيأتي بيانه .
وأمّا السؤال الأوّل : فقد نفى الشيخ المفيد قطعه هو به ؛ لعدم قيام حجّة عليه عنده ، ولكنّه كما عرفت لم ينفه مطلقا .
فيمكن أن يقال : إنّ عدم ثبوت حجّةٍ عند الشيخ ، لا ينافي ثبوتها عند غيره ، خصوصا إذا لاحظنا إرسال السائل لذلك كالمسلّم . مع أنّ شواهد العلم بخذلان أهل الكوفة كانت واضحةً ـ من غير طريق علم الغيب ـ لكلّ ناظرٍ إلى أحداث ذلك اليوم ومجرياته ، وقد تنبّأ بذلك أكثر المرويّ عنهم الكلام في هذا المقام ، وفيهم من ليس من ذوي الاهتمام بهذه الشؤون ، فكيف بالإمام الحسين عليه السلام الّذي كان محور الأحداث تلك ومدارها ؟ !
ثمّ إنّ افتراض المفيد لعلم الحسين عليه السلام بأنّه يُخذل ويُقتل ، والجواب عن إقدامه على ذلك بالتعبّد ، قرينةٌ واضحةٌ على إمكان العلم بذلك عنده ، وأنّه أمرٌ ليس معارضا للعقل ولا للكتاب ، وإنّما لم يلتزم به لعدم ورود أثرٍ به عنده ! فلو أثبتنا الحجّة على ورود الأثر بذلك بتواتر الآثار والأخبار ، كفى دليلاً للالتزام به ، وعدم قابليّة الاعتراض الثاني للوقوف في وجهه .
وكذلك أجاب المفيد عن الأمر الثالث بعدم قيام الحجّة عليه وعدم ورود أثرٍ به ، مع مخالفته لمقتضى الحال وشواهده .

صفحه از 135