علم الأئمّة (ع) بالغيب و الاعتراض عليه بالإلقاء للنفس إلي التهلکة.. - صفحه 74

وبالنسبة إلى الإمام الحسن عليه السلام :

فقد صرّح المفيد رحمه الله بعلمه بمستقبل حال معاوية ، ونكثه وثيقة الصلح ، واستدلّ على ذلك بمجرّد مجيء الخبر به ، ومطابقته لمقتضى الحال . فيدلّ على كفاية مثل ذلك لإثبات « علم الإمام بالغيب » .
وأمّا الاعتراض بالإقدام على التهلكة :
فقد أجاب عنه بالمصلحة واللطف ، ومقابلة ذلك بالأهمّ . فقد ظهر أنّ الشيخ المفيد رحمه الله لا يمنع من نسبة « علم الغيب » إلى الأئمّة إذا كان من طريق إعلام الوحي والإلهام لهم بواسطة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، وأنّه في إثبات جزئيّات ذلك بحاجة إلى ورود الأخبار والآثار بذلك ، وأنّ شواهد الأحوال والسيرة تؤكّد إثبات ذلك أو نفيه عند المعارضة .
فرأي الشيخ المفيد في علم الأئمّة بالغيب هو : ثبوت ذلك لهم علماً مستفادا ، من دون كونه صفةً ذاتيّةً لهم ، ولا وجوب عقليّ له ، بل إنّما هو كرامة من اللّه لهم ، وأنّ السمع قد ورد به . وقد نسب هذا القول إلى « جماعة أهل الإمامة » ولم يستثن إلّا شواذّا من الغُلاة ۱ .
وقد أثبت في كتابه الإرشاد نماذج من الروايات الواردة في إخباراتهم الغيبيّة سواءً عن الماضيات أو المستقبلات ، وحتّى عن أحوال المخاطبين وما يكنّونه في أنفسهم ، ذكر ذلك في الدلالة على إمامة كلّ واحد من الأئمّة عليهم السلام في فصل أحواله .
فما نُسب إليه رحمه الله من أنّ الحسين عليه السلام لم يكن يعلم بمقتله ، وأنّه إنّما توجّه إلى الكوفة بغرض الاستيلاء على المُلك ، وأنّه لو كان عالما بأنّه يُقتل لما ذهب ؛ لأنّه إلقاءٌ في التهلكة ! ! كلّها نسبٌ باطلةٌ إلى الشيخ المفيد رحمه الله ، لم تدلّ على ذلك عبارته المذكورة هنا الّتي استند إليها الناسبون ، وبتروا وقطّعوا أوصالها ، لتؤدّي ما يريدون !

1.. انظر : أوائل المقالات : ص ۶۷ من طبعة مؤتمر الشيخ المفيد ، و ص ۷۷ من طبعة شيخ الإسلام الّتي أعادتها مكتبة الداوري ـ قمّ .

صفحه از 135