4 ـ عصر الشيخ الطوسي ( ت 460 ه )
الشيخ أبو جعفر ، محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385 ـ 460 ه ) . قال السيّد بحر العلوم :
شيخ الطائفة المحقّة ، رافع أعلام الشريعة الحقّة ، إمام الفرقة بعد الأئمّة المعصومين ، وعماد الشيعة الإماميّة في كلّ ما يتعلّق بالمذهب والدين ، محقّق الأُصول والفروع ، ومهذّب فنون المعقول والمسموع ، شيخ الطائفة على الإطلاق ، ورئيسها الّذي تُلوى إليه الأعناق ، صنّف في جميع علوم الإسلام ، وكان القدوة في كلّ ذلك والإمام ۱ .
وقد عرض الشيخ الطوسي الاعتراض وأجاب عنه ، وهذا نصّ ما ذكره :
فإن قيل : أليس في أصحابكم من قال : « إنّ الحسين عليه السلام كان يعلم ما ينتهي إليه أمره ، وأنّه يُقتل ويخذله من راسله وكاتبه ، وإنّما تعبّد بالجهاد والصبر على القتل » ، أيجوز ذلك عندكم ، أم لا ؟ !
وكذلك قالوا في أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّه كان يعلم أنّه مقتولٌ » ، والأخبار عنه مستفيضةٌ به ، وأنّه كان يقول : « ما يمنعُ أشقاها أن يخضبَ هذه من هذا »، ويومئ إلى لحيته ورأسه ، وأنّه كان يقول تلك الليلة ـ وقد خرج وصحن الإوزُّ في وجهه ـ : « إنّهنّ صوائحُ تتبعها نوائحُ » .
قالوا : « وإنّما أُمر بالصبر على ذلك » ، فهل ذلك جائزٌ عندكم ؟ !
قيل : اختلف أصحابُنا في ذلك :
فمنهم من أجاز ذلك ۲ وقال : لا يمتنع أن يتعبّد بالصبر على مثل ذلك ؛ لأنّ ما وقع من القتل ـ وإن كان ممّن فعله قبيحا ـ فالصبر عليه حسنٌ ، والثواب عليه جزيلٌ . بل ، ربّما كان أكثر ، فإنّ مع العلم بحصول القتل ـ لا محالة ـ الصبر أشقُّ منه إذا جوّز الظفر وبلوغ الغرض .
ومنهم من قال : إنّ ذلك لا يجوز ؛ لأنّ دفع الضرر عن النفس واجبٌ عقلاً وشرعا ، ولا يجوز أن يتعبّد بالصبر على القبيح ، وإنّما يتعبّد بالصبر على الحسن ، ولا خلاف أنّ ما وقع من القتل كان قبيحا ، بل من أقبح القبيح .
وتأوّل هذا القائل ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من الأخبار الدالّة على علمه بقتله ، بأن قال : كان يعلم ذلك على سبيل الجملة ، ولم يعلم بالوقت بعينه ، وكذلك علم الليلة الّتي يُقتل فيها بعينها ، غير أنّه لم يعلم الوقت الّذي يحدث فيه القتل .
وهذا المذهب هو الّذي اختاره المرتضى ـ رحمة اللّه عليه ـ في هذه المسألة . وليفي هذه المسألة نظرٌ ۳ .
والّذي يستفاد من هذا النصّ سؤالاً وجوابا :
1 ـ إنّ الطائفة لم تختلف في أصل « أنّ الأئمّة يعلمون متى يموتون ، وما يجري عليهم » ، لكنّ المرتضى خالف في خصوص (الوقت المعيّن) للقتل ، هل يعرفه الإمام بالتفصيل ، أو يعرفه بالإجمال ؟ وأمّا العلم بحوادث أُخر فهو ـ أيضا ـ مجمعٌ عليه ، ولا خلاف فيه .
2 ـ إنّ الأخبار الّتي ظاهرها العلم بالتفصيل ـ حتّى بوقت الموت ـ متظافرةٌ وواردةٌ ، وإنّما القائل بالإجمال يحاول تأويلها !
3 ـ إنّ القائل بالإجمال إنّما صار إلى ذلك ؛ لتصوّره أنّ أمرا مثل الإقدام على الشهادة أمرٌ لا يمكن التعبّد به ؛ لأنّه قتلٌ قبيحٌ ، ولا تعبّد بالقبيح ! وأنّ دفع الضرر واجبٌ عقلاً وشرعا ، فلا يجوز تركه على الإمام .
1.. رجال السيّد بحر العلوم : ج ۳ ص ۲۲۷ ـ ۲۲۸ .
2.. علّق محقّق تلخيص الشافي : يقصد بذلك الشيخين المفيد والكليني قدّس اللّه سرّهما ، وعلى ذلك جرى كثير من علمائنا المتأخّرين قدّس اللّه أسرارهم ، كالعلّامة الحلّي ، والمجلسي ، والشهيد ، وغيرهم .
وقد عقد الكليني في أُصول الكافي بابا خاصّا بذلك سمّاه : « باب أنّ الأئمّة عليهم السلام يعلمون متى يموتون » ، واستعرض فيه جملة من الروايات عن الأئمّة في إثبات ذلك .
3.. تلخيص الشافي : ج ۴ ص ۱۸۸ ـ ۱۹۰ ، وعلّق محقّقه : راجع في تفصيل الباب مرآة العقول للمجلسي : ج ۳ ص ۱۲۳ ؛ والبحار له : ج ۴۲ ص ۲۵۹ ؛ والدرّة النجفيّة للبحراني : ص ۸۵ ، وغيرها .