علم الأئمّة (ع) بالغيب و الاعتراض عليه بالإلقاء للنفس إلي التهلکة.. - صفحه 77

لكنّ هذا التصوّر خاطئٌ لوجوه :

الأوّل : إنّ كون الفعل قبيحا صدورا من الفاعل ، لا يقتضي كونه قبيحا بالنسبة إلى الواقع عليه ، فبالإمكان أن يفرض العمل قبيحا صدورا باعتبار حرمته على الفاعل أن يقوم به ، ولكنّه يكون بالنسبة إلى القابل ، أو الواقع عليه جائزا مباحا ، أو مرادا .
فلا مانع من أن يكون قتل الأئمّة عليهم السلام حراما على القاتلين ، لكونه ظلما وتعدّيا ، بل من أقبح صوره وأفحشها ، ولكن يكون الصبر على ذلك من الإمام أمرا حسنا لكونه ؛ امتثالاً لأمر اللّه ، وانقيادا لإرادته ، ورضا بقضائه ، وتعبّدا بما عبّد به الإمام ، لتحقيق المصالح الدنيوية عليه ، ولبلوغ الأئمّة المقامات العالية المفروضة لهم في ظرف طواعيّتهم وتحمّلهم لذلك .
الثاني : إنّه مع ورود النصّ بثبوت علم الأئمّة، لا وجه للجوء إلى مثل هذا التصوّر ؛ لأنّ قبح القتل ـ في موارد ـ إنّما هو من جهة كونه ظلما وحراما ؛ وكذا الإقدام على أن يقتل ، والإلقاء إلى التهلكة إنّما يكون حراما إذا كان منهيّا عنه ، أمّا إذا تعلّق به أمرٌ إلهيٌّ وصار موردا للتعبّد به لمصلحة ، فهو لا يكون قبيحا للمتعبّد بذلك ، والمفروض أنّ الأخبار قد وردت بذلك ، فلا بدّ من فرض جوازه وحسنه .
كما كان الإقدام على الشهادة والقتل في سبيل اللّه ، من أفضل القُرب وأشرفها ، وأكثرها أجرا ، وتستوجب أرفع الدرجات مع الصدّيقين .
الثالث : إنّ تحمّل القتل والصبر عليه في مثل هذا الفرض ، لا يصحّ تسميته ضررا ، بل هو نفعٌ ، من أنفع ما يقدم عليه عباد اللّه المخلصون ، ويختارونه؛ لكونه لقاء اللّه ، ومقرّبا إليه ، ولما يترتّب على ذلك من المصالح للإسلام وللأُمّة ، ولأنّه محقّقٌ أروع الأمثلة للتضحية والفداء في سبيل الأهداف الإلهيّة الكبيرة والجليلة . فلا حرمة فيه شرعا ولا عقلاً ، بل هو محبوبٌ وواجبٌ في بعض الأحيان .
4 ـ وقد دلّ هذا النصّ على أنّ المتفرّد بالقول بالإجمال إنّما هو السيّد المرتضى ، وأنّ القائل بالإجمال يعارض التعبّد بالصبر على ذلك ، فظهر أنّ المفيد ـ الّذي مرّ افتراضه للتعبّد ـ إنّما يفترض ذلك على تقدير التفصيل ، وأنّ القول بالإجمال ليس بحاجةٍ إلى افتراض ذلك .

صفحه از 135