509
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

بالفساد الانتفاء رأسا وبالكلّيّة؛ فأحسِن تدبّره ۱ .
ثمّ أقول ـ في تقرير الدليل على محاذاة الحديث ـ : إنّ كلّ واحد من المشترك فيه والمميّز يجب أن يكون واجبا بالذات.
أمّا المتّفق فيه، فلما عرفت من أنّ مفهوم الواجب بالذات لا يجوز أن يكون عرضيا له خارجا عنه تعالى، وإلّا يلزم خلوّ ذاته عنه، ويلزم إمكانه، فيجب أن يكون داخلاً فيه، وجزء الواجب يجب أن يكون واجبا بالضرورة؛ لأنّ احتياج الجزء إلى العلّة مستلزم لاحتياج الكلّ إليه بالضرورة. فلو كان الجزء ممكنا، يلزم أن يكون الكلّ ممكنا محتاجا، هذا خلف.
وأمّا المميّز، فلأنّه يجب أن يكون وجوديا داخلاً في أحدهما؛ لاشتراكهما في مفهوم الواجب بالذات الذي لا يكون عرضيا خارجا عن حقيقتهما، فلو كان ذلك المعنى تمام حقيقة جزئيّة كلّ واحد منهما، فلم يكن ۲ مميّزا وجوديا داخلاً في أحدهما، فاصلاً بينهما ليرتفع الاثنينيّة بين هذين الحقيقيين الجزئيين بالضرورة، وذلك المميّز الداخل في الواجب لو لم يكن واجبا، لزم إمكان الواجب بالذات كما مرّ آنفا، وهو محال. وعلى هذا فيكون الواجب الواحد المشتمل على المميّز الوجودي الداخل اثنين لا واحدا، ويكون الاثنان اللذان ادّعيتهما ثلاثةً، وعلى تقدير كونه ثلاثةً يلزم أن يكونوا خمسة وهكذا إلى غير النهاية وقد عرفت استحالته. وإنّما أطنبنا الكلام في هذا المقام؛ لأنّه من مزالّ أقدام فحول الأعلام، واللّه الموفِّق للمرام.
وأجاب بعض الفضلاء ۳ عن هذه الشبهة بـ :
أنّ مفهوم واجب الوجود لا يخلو إمّا أن يكون انتزاعه عن نفس ذات كلّ منهما من

1.في هامش النسخة: فلا يرد عليه شيء من الإيرادات، وظهر أنّ منشأ الشبهة المشهورة... تقرير المتأخّرين كلام... وإلّا فكيف يليق بهؤلاء الحكماء المتبحّرين المحقّقين أن يستندوا على أعظم المطالب بمثل هذا الدليل الذي يرد عليه شبهة ظاهرة... ببال أكثر الأطفال... فهم الدليل على التقرير المشهور؛ فتأمّل (منه عفي عنه).

2.في النسخة: «ولم يكن».

3.هو صدر المتألّهين.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
508

خلف. والواجب البحت أحديّ الذات والصفات جميعا لا كثرة فيه بوجه أصلاً، وما لا كثرة فيه أصلاً لا يتعدّد قطعا، فالواجب بالذات واحد لا تعدّد فيه، ولا شريك له جزما.
ثمّ أقول: تقرير الدليل المشهور على وجه ينطبق بهذه الطريقة الأنيقة أنّه لو كان الواجب بالذات ـ الذي هو واجب بحت لا تكثّر فيه بوجه من الوجوه ـ اثنين، لكانا بالضرورة متشاركين في مفهوم الواجب بالذات، ذاتيا كان ذلك المفهوم لهما، أو عرضيا، فلا بدّ هاهنا لتحقّق الاثنينيّة من مميّز وجودي، سواء كان المميّز أيضا ذاتيا أو عرضيا، وسواء كان واحدا متحقّقا في أحدهما دون الآخر، أو متعدّدا متحقّقا في كلّ واحد منهما، وعلى أيّ تقدير يلزم التكثّر والتركيب في الواجب البحت، أي يلزم أن يكون شيئا واجبا لا واجبا بحتا، فالمراد بالتركيب هاهنا إنّما هو هذا المعنى، أي كونه شيئا واجبا. وبالجملة المراد بالتركيب التركيب والتكثّر المطلق لا التركيب في الذات حتّى يلزم الإيرادات المذكورة.
والتركيب بهذا المعنى مستلزم لإمكان كلّ واحد من الواجبين المفروضين.
أمّا إمكان الواجب المشتمل على المميّز، فظاهر.
وأمّا إمكان الواجب الآخر الغير المشتمل عليه، فلأنّه إنّما يتميّز عن هذا الواجب المشتمل على المميّز بهذا المميّز؛ لأنّه ليس إلّا ما به الاشتراك فقط كما هو المفروض، فيلزم احتياجه في تميّزه عن الآخر إلى غيره وهو المميّز الذي في الآخر، وذلك ـ مع أنّه محال في نفسه ـ مستلزم لإمكانه تعالى بالضرورة، فعلى هذا يلزم إمكان كلّ واحد منهما، وعدم كون شيء منهما واجبا بحتا؛ لأنّ كلّ ممكن فهو شيء واجب بالضرورة، فيلزم انتفاء الواجب بالذات بالكلّيّة على تقدير تعدّده، ومن انتفائه يلزم انتفاء العالم بالضرورة.
ويحتمل أن يكون هذا معنى قوله تعالى: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلّا اللّهُ لَفَسَدَتا»۱ لأنّ تعدّده مستلزم لانتفائه، وانتفاؤه مستلزم لانتفاء الأرض والسماء وسائر الممكنات، فيكون المراد

1.الأنبياء (۲۱): ۲۲.

تعداد بازدید : 141567
صفحه از 739
پرینت  ارسال به