251
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

۱۹.عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عُبيد ، عن يونسَ ، عن حريزٍ ، عن زرارةَ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الحلال والحرام؟ فقال :«حلالُ محمدٍ حلالٌ أبدا إلى يوم القيامة ، وحرامُه حرامٌ أبدا إلى يوم القيامة ، لا يكونُ غيرُه ولا يجيءُ غيرُه» . وقال : «قال عليُّ عليه السلام : ما أحدٌ ابْتَدَعَ بِدعةً إلّا تَرَكَ بها سُنّةً» .

من النار وممّا خلق منه نفس إبليس، فلو قاس إبليس قياسا صحيحا لن يتمرّد اتّفاقا وإن كان الدين لا يقاس.
قوله: (سألت [أبا عبد اللّه عليه السلام ] عن الحلال والحرام)
أي قلت له: هل يتبدّل ويختلف الحلال والحرام في الواقع بحسب اختلاف آراء المجتهدين، ويحكم كلّ مجتهد بالحكم الواقعي كما هو مذهب المصوّبة من أنّه ليس للشارع حكم معيّن في كلّ فرع، بل فوّض الأحكام الشرعيّة الفرعيّة إلى آراء المجتهدين، فحكمُ كلِّ مجتهد في كلّ فرع هو حكم اللّه الواقعي في حقّه وفي حقّ من يقلّده، أم لا يتبدّلان ولا يخلتفان في الواقع، بل إنّما يختلف بحسب اختلافهم أحكامُهم الواصليّة كما هو مذهب المُخَطِّئَة من أنّ الشارع قد حكم في كلّ فرع بحكم معيّن والمجتهد بعد استفراغ الوسع قد يصيب وقد يخطئ، والمخطئ مثاب؛ لبذله جهده واجتهاده، وخطاؤه مغتفر، وللمصيب أجران: أحدهما لإصابته، والآخر لاجتهاده وبذل جهده في الاستنباط؟
وقوله عليه السلام : (حلال محمّد حلال أبدا إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة، لا يكون غيرُه) أي لا يكون في الواقع حكم في الدين القويم غير ما حكم به (ولا يجيءُ غيرُه) أي لا يجيء ولا يتجدّد في الواقع حكم في الشرع المستقيم غير حكمه بحسب تجدّد آراء المجتهدين واختلافهم، فلا يختلف بذلك حكمه الواقعي، فهذا بيان لبطلان المذهب المصوّبة، واختيار لصحّة ما يقابله من المذهب الآخر.
وقوله عليه السلام : (قال عليٌ عليه السلام : ما أحدٌ ابتَدَعَ بدعةً إلّا ترك بها سُنّةً) لأنّه لمّا كان في كلّ مسألة بيان من الشارع وحكم منه في الواقع فمن قال بما لم يكن في الشرع من عند نفسه وابتدع شيئا، ترك به سنّة وحكما من أحكامه في الواقع، فلو كان الأمر كما زعمه المصوّبة، فلا


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
250

۰.ولو قاسَ الجوهَرَ الذي خَلَقَ اللّهُ منه آدمَ بالنار ، كانَ ذلك أكثرَ نورا وضياءً من النار» .

وليعلم أنّ إبليس لم يفعل زائدا على ما يفعله أهل القياس؛ فإنّه لم يكن قياسه في مقابله نصّ بل كان في مقابله ظاهر عموم خصّصه بالقياس، فإنّه سمع الخطاب ۱ العامّ لجمع هو أحدهم أن «اسْجُدُوا لآدَم»۲
، فظنّ أنّه خارج عن المراد وإن كان داخلاً في ظاهر الخطاب بأن قاس نفسه بآدم فيما وقع الخلق منه، وظنّ أنّ علّة الحكم شرف المخلوق منه، ورأى أنّ ما خلق هو منه زائد في الشرف على ما خلق آدم منه، فظنّ أنّ أمره بالسجود له قبيح ليس مراد اللّه تعالى.
وقوله عليه السلام : (فلو قاس الجوهَرَ الذي خَلَقَ اللّهُ منه آدمَ بالنار، كان ذلك أكثر نورا وضياءً من النار) المراد بذلك الجوهر هو نور عظمته الذي خلق منه روح آدم، كما سيجيء في باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهم.
وبعبارة اُخرى هو الجوهر العقلاني الذي خلق اللّه تعالى منه نفس آدم، ولا شكّ في أنّ ذلك الجوهر أكثر نورا وضياءً، وأشرف وأكرم وأكمل من الجوهر الذي خلق نفس الشيطان وسائر الجانّ منه ومن النار الذي خلق أبدانهم منه، كيف، ومن أوصافه ما يظهر به ما لا يظهر بالنار كالمعقولات، وبه يظهر كلّ ما يظهر بالنار كالمحسوسات، فهو أكثر نورا وضياءً من النار.
فحاصل الحديث أنّ القياس وإن كان باطلاً في الدين والشريعة في نفسه، ولم يكن الحكم بسجود آدم إلّا لحكمة ومصلحة مخفيّة لا يعلمها إلّا اللّه ، ولم يكن علّته شرافة عنصره ومادّته التي خلق منها، كما ظنّه إبليس وقاس وتمرّد، فمع ذلك غلط إبليس في قياسه؛ لأنّ الشرافة إنّما تكون باعتبار النفس لا باعتبار البدن الذي هو آلتها وكالثوب لها، فعلى تقدير تسليم علّية شرافة ما خلق منه للسجود لكان النظر الصحيح يقتضي قياس ما خلق منه نفس آدم على ما خلق منه نفسه، أو على ما هو الأشرف من سنخ نفسه وعنصر بدنه على سبيل التنزّل والمماشاة، ولا شكّ في أنّ ما خلق منه نفس آدم أشرف وأضوأ وأنور

1.في النسخة: «خطاب».

2.الأعراف (۷): ۱۱، و كذا ورت في آيات اُخر.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 150960
صفحه از 739
پرینت  ارسال به