۰.قد دَرَسَتْ أعلامُ الهدى ، فَظَهَرَتْ أعلامُ الردى ، فالدنيا مُتهجِّمَةٌ في وجوه أهلِها ، مُكفَهِرَّةٌ ، مُدبِرَةٌ غيرُ مُقِبلَةٍ ، ثمرتُها الفتنةُ ، وطعامُها الجيفةُ ، وشِعارُها الخوفُ ، ودِثارُها السيفُ ، مُزِّقْتُم كلَّ مُمَزَّقٍ ، وقد أعمَتْ عيون أهلِها ، وأظلَمَتْ عليها أيّامُها ، قد قَطعوا أرحامَهم ، وسَفَكوا دماءَهم ، ودَفَنوا في التراب الموؤودةَ بينهم من أولادهم ،
وقوله عليه السلام : (قد دَرَسَتْ أعلامُ الهدى) إلخ استيناف بياني لما تقدّم، فدروس أعلام الهدى وزواله وظهور أعلام الردى ناظر إلى خلوّ الزمان عن الرسل والشرائع القويمة وغفلة الاُمم وانبساط الجهل، وبالجملة ناظر إلى قوله: «على حين فترة» إلخ، ويترتّب على ذلك ويتفرّع عليه تهجّمُ الدنيا واكفهرارُها في وجوه أهلها كما قال: (فالدنيا مُتَهَجِّمَةٌ) على صيغة اسم الفاعل من باب التفعّل، أي منهدمة خربة، يقال: هجم البيت وانهجم، أي انهدم (في وجوه أهلها مُكْفَهِرَّةٌ) الظرف متعلّق بمكفهرّة، يقال: اكفهرّ الرجل كاقشعرّ، إذا عَبَسَ، أي في وجوه أهلها عابِس، يعني ناظر إلى وجوههم بوجهٍ عابس.
ويحتمل أن يكون قوله: «فالدنيا متهجّمة» إلخ ناظرا إلى قوله: «على حين اصفرار» إلخ، وقولِه عليه السلام : «وطعامها الجيفةُ»؛ لأنّهم كانوا يأكلون الجيف في سِنِي المجاعة.
والشِعار ـ بكسر الشين المعجمة ـ : الثوب الذي يلي الجسد؛ لأنّه يلي شعره. والدثار ـ بكسر الدال المهملة ـ : الثوب الذي فوق الشِعار.
وقوله عليه السلام : (مُزّقتم كلَّ مُمَزَّقٍ) التمزيق: الخرق أو التفريق. والممزّق كمعظّم مصدر كالتمزيق، وهو مفعول مطلق، اُقيم مضافه ـ وهو «كلّ» ـ مقامه واُعرب بإعرابه، أي فرّقتم كلّ تفريق.
وقوله عليه السلام : (وقد أعمت) أي الدنيا (عيونَ أهلها) أي الراغبين إليها (وأظلمت) أي الدنيا (عليها أيّامَها) أي على أهلها، وضمير «أيّامها» راجع إلى «أهلها» أو إلى «الدنيا» والضمير في قوله: «قد قطعوا» ونظائره لأهل الدنيا.
وقوله عليه السلام : (ودفنوا في التراب الموؤدةَ بينهم) الوَأد: دفن البنت حيّةً وهي مَوْؤُدَة.
وقوله: «بينهم» متعلّق بالدفن، أو بالموؤدة بتضمين معنى الشيوع، وذكره لزيادة التفظيع