281
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

كان بينه وبين أخٍ له مماراة في حقّ، فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه، فأبى إلّا أن يرافعه إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين قال اللّه عزّ وجل: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما اُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما اُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ اُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ»۱ الآية ۲ انتهى.
ولا يذهب عليك أنّ هذا الحديث لا يدلّ على الاستثناء المذكور وجواز الأخذ بحكم هؤلاء في صورة عدم التمكّن من الرجوع إلى أهل الحقّ؛ لأنّ السكوت عن حال الرافع إلى هؤلاء في هذه الصورة لا يدلّ [على] جواز الرفع إليهم، على أنّ جواز الرفع إليهم لا يستلزم جواز الأخذ بحكمهم؛ لجواز أن يكون الرفع لأجل تقاصّ حقّه بالاستعانة بحكمهم، لا لجواز الأخذ بحكمهم في هذه الصورة، فلا وجه لتخصيص الحكم مع عموم الدليل وعدم تقييد حرمة التحاكم إليهم بصورة الاختيار. اللّهمّ إلّا أن يحمل قوله على جواز تقاصّ حقّه المعلوم له باستعانتهم، لا أخذه لأجل حكمهم، كما يشعر به قوله: (فيجوز الاستعانة على تحصيل الحقّ بغير القاضي) فتدبّر.
و«الطاغوت» على وزن لاهوت بمنزلة الرَغَبُوتِ والرَهَبُوتِ إلّا أنّه مقلوب؛ لأنّه من طَغَا يَطْغى ويَطْغُو طُغيانا، أي جاوز الحدّ، وكذا طَغِيَ يَطْغى كعَلِم فهو طَغَوْت من الطَغَووت كفَعَلُوت. ولاهوت غير مقلوب؛ لأنّه مِن لاه يليه ليها، إذا تستّر وعلا وارتفع. والطاغوت قد يكون واحدا و[قد يكون] جمعا، والجمع [الطواغيت وهو ]كلُّ رأسٍ في الضلال، ومَرَدَةُ أهلِ الكتابِ، سمّي بذلك لفرط طغيانهم، أو لتشبيههم بالشيطان.
ويحتمل أن يكون المراد به هاهنا الشيطان؛ لأنّ التحاكم إلى الجائر هو التحاكم إلى الشيطان من حيث إنّه الحامل عليه.
ويحتمل أن يكون المراد به ما عُبد من دون اللّه كالأصنام؛ لأنّ التحاكم إلى الجائر

1.النساء (۴): ۶۰.

2.مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، ج ۱۳، ص ۳۳۵ ـ ۳۳۶.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
280

۰.وإلى القضاة ، أيحِلُ ذلك؟ قال :«من تَحاكَمَ إليهم في حقٍّ أو باطلٍ فإنّما تَحاكَمَ إلى الطاغوت ، وما يَحْكُمُ له فإنّما يأخُذُ سُحْتا وإن كانَ حقّا ثابتا له ؛ لأنّه أخَذَه بحكم الطاغوت ، وقد أمَرَ اللّهُ أن يَكْفُروا .........

حكمهم، وفي القسم الثالث أيضا المأخوذ حرام وإن كان في الواقع حقّه، ولا يمكن حينئذٍ التخلّص عن حرمة الأخذ والمأخوذ بوجهٍ؛ لعدم جريان التقاصّ في هذه الصورة؛ لأنّه لا يعلم أنّه حقّ شرعي له.
إذا عرفت هذا فيحتمل أن يكون المراد بالمنازعة في قوله: «بينهما منازعة في دين أو ميراث» المنازعةَ مطلقا بحيث يتناول الأقسام الثلاثة. ويحتمل أن يكون المراد بها خصوص القسمين الأخيرين. وعلى التقديرين فذكر الدين والميراث على سبيل التمثيل.
وذكر الواو في قوله: (وإلى القضاة) لأنّ سلاطين الجور يحيلون المتحاكمين إليهم إلى قضاتهم في الأكثر. ويحتمل أن يكون الواو بمعنى «أو».
وقوله عليه السلام في الجواب: (من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل) يحتمل العموم والشمول للأقسام الثلاثة، وحينئذٍ فمعنى قوله: (وما يحكم له فإنّما يأخُذُ سُحْتا) أنّ ما يحكم الطاغوت للمتحاكم فإن أخذه إنّما يأخذ أخذا سُحتا، أي حراما؛ لما عرفت من أنّ المدّعى به إذا كان عينا معلوم الحقّيّة للمدّعي إنّما يكون أخذه بحكم الجائر حراما، ولا يكون المأخوذ حراما. ويحتمل تخصيصه بالقسمين الأخيرين، وحينئذٍ معناه إنّما يأخذ مالاً سحتا حراما لا يجوز التصرّف فيه «وإن كان حقّا» له في نفس الأمر «ثابتا له» أي معلوما له حقّيّته وكان خصمه منكرا هذا.
قال الشهيد الثاني في شرح الشرائع:
قد ظهر من تلك الرواية الحكم بتخطئة التحاكم إلى أهل الجور، ويستثنى منه ما لو توقّف حصول حقّه عليه، فيجوز الاستعانة على تحصيل الحقّ بغير القاضي، والنهي في الأخبار محمول على الترافع إليهم اختيارا مع إمكان تحصيل الغرض بأهل الحقّ، وقد صرّح به في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أيّما رجل

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 145644
صفحه از 739
پرینت  ارسال به