۰.قال : «ما خالَفَ العامَّةَ ففيه الرَّشادُ» .
فقلت : جُعلت فداك ، فإن وافَقَهما الخبرانِ جميعا؟ قال : «يُنظَرُ إلى ما هم إليه أميَلُ حكّامُهُم وقضاتُهم ، فَيُتْرَكُ ويُؤخَذُ بالآخَرِ» .
قلت : فإن وافَقَ حُكّامُهم الخبرين جميعا؟ قال : «إذا كان ذلك فَأرْجِهْ حتّى تَلْقى إمامَكَ ، فإنّ الوقوفَ عند الشبهات خيرٌ من الاقتحام في الهَلَكاتِ» .
وقوله عليه السلام : (ما خالف العامّة ففيه الرشاد) وجه آخر للترجيح، وذلك لأنّ أخذ المخالف للعامّة وترك الموافق لهم طريق الجمع بين الخبرين بحمل الموافق لهم على التقيّة.
وقوله: (فإن وافقهما) أي وافق العامّة الخبران جميعا بأن تكون المسألة بين العامّة مختلفا فيها، ووافق كلّ خبر منهما بعضا من العامّة، فبأيّ الخبرين يُؤخذ؟
وقوله عليه السلام : (يُنظر إلى ما هم إليه أميلُ حكّامهم وقضاتهم، فيُترك ويُؤخَذُ بالآخر) أي ينظر إلى ما إليه حكّامهم وقضاتهم أميل. فـ «حكّامهم وقضاتهم» بدل البعض من الضمير المنفصل في قوله: «ما هم» و«قضاتهم» تفسير لـ «حكّامهم».
ويحتمل أن يكون المراد بالحاكم هاهنا المعنى الأعمّ، فحينئذٍ يكون من ذكر الخاصّ بعد العامّ.
وذلك الترجيح لأنّ ما أميل إليه حكّامهم وقضاتهم أولى بالتقيّة، فذلك أيضا طريق الجمع بين الخبرين.
وقوله: (فإن وافق حُكّامُهم الخبرين جميعا) أي كان ميل حكّامهم إلى ما في الخبرين من الحكم سواء، فبأيّ الخبرين يؤخذ؟
وقوله عليه السلام : (فأرجه) أي أخّر الحكم والفتيا في هذه المسألة، ولا تحكم ولا تُفْتِ بأحدهما (حتّى تلقى إمامَك) وحينئذٍ طريق قطع النزاع ينحصر في الصلح.
وقوله عليه السلام : (فإنّ الوقوف عند الشبهات) أي تركها عملاً وفتيا وحكما وترك ترجيح أحد الطرفين مع الاشتباه بغير مرجّح شرعي بل بالرأي والقياس والاستحسانات العقليّة ونحوها (خير من الاقتحام) أي الدخول (في الهَلَكات) بأخذها عملاً وفتيا وحكما، وترجيح