291
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

۰.قال : «ما خالَفَ العامَّةَ ففيه الرَّشادُ» .
فقلت : جُعلت فداك ، فإن وافَقَهما الخبرانِ جميعا؟ قال : «يُنظَرُ إلى ما هم إليه أميَلُ حكّامُهُم وقضاتُهم ، فَيُتْرَكُ ويُؤخَذُ بالآخَرِ» .
قلت : فإن وافَقَ حُكّامُهم الخبرين جميعا؟ قال : «إذا كان ذلك فَأرْجِهْ حتّى تَلْقى إمامَكَ ، فإنّ الوقوفَ عند الشبهات خيرٌ من الاقتحام في الهَلَكاتِ» .

وقوله عليه السلام : (ما خالف العامّة ففيه الرشاد) وجه آخر للترجيح، وذلك لأنّ أخذ المخالف للعامّة وترك الموافق لهم طريق الجمع بين الخبرين بحمل الموافق لهم على التقيّة.
وقوله: (فإن وافقهما) أي وافق العامّة الخبران جميعا بأن تكون المسألة بين العامّة مختلفا فيها، ووافق كلّ خبر منهما بعضا من العامّة، فبأيّ الخبرين يُؤخذ؟
وقوله عليه السلام : (يُنظر إلى ما هم إليه أميلُ حكّامهم وقضاتهم، فيُترك ويُؤخَذُ بالآخر) أي ينظر إلى ما إليه حكّامهم وقضاتهم أميل. فـ «حكّامهم وقضاتهم» بدل البعض من الضمير المنفصل في قوله: «ما هم» و«قضاتهم» تفسير لـ «حكّامهم».
ويحتمل أن يكون المراد بالحاكم هاهنا المعنى الأعمّ، فحينئذٍ يكون من ذكر الخاصّ بعد العامّ.
وذلك الترجيح لأنّ ما أميل إليه حكّامهم وقضاتهم أولى بالتقيّة، فذلك أيضا طريق الجمع بين الخبرين.
وقوله: (فإن وافق حُكّامُهم الخبرين جميعا) أي كان ميل حكّامهم إلى ما في الخبرين من الحكم سواء، فبأيّ الخبرين يؤخذ؟
وقوله عليه السلام : (فأرجه) أي أخّر الحكم والفتيا في هذه المسألة، ولا تحكم ولا تُفْتِ بأحدهما (حتّى تلقى إمامَك) وحينئذٍ طريق قطع النزاع ينحصر في الصلح.
وقوله عليه السلام : (فإنّ الوقوف عند الشبهات) أي تركها عملاً وفتيا وحكما وترك ترجيح أحد الطرفين مع الاشتباه بغير مرجّح شرعي بل بالرأي والقياس والاستحسانات العقليّة ونحوها (خير من الاقتحام) أي الدخول (في الهَلَكات) بأخذها عملاً وفتيا وحكما، وترجيح


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
290

۰.قال : «يُنظرُ ، فما وافَقَ حكمُه حكْمَ الكتاب والسنّة وخالَفَ العامّةَ ، فيُؤخَذُ به ، ويُترَكُ ما خالَفَ حكمُهُ حكمَ الكتاب والسنّة ووافَقَ العامّة» .
قلت : جُعلت فداك ، أرأيتَ إن كان الفقيهان عَرَفا حُكمَه من الكتاب والسنّة ، ووَجَدْنا أحدَ الخبَريْنِ موافقا للعامّة والآخَرَ مخالفا لهم ، بأيّ الخَبَرَيْنِ يُؤخَذُ؟ .........

وتخصيصهما بالذكر لاشتهار الروايات عنهما، وشيوع الأخذ عن أهل البيت في زمانهما دون السابقين؛ لشدّة التقيّة في زمانهم، وتعلّق الأغراض بتركهم والأخذ عن غيرهم. وفي بعض النسخ: «عنهما» والضمير للحاكمين.
وقوله عليه السلام : (يُنْظَرُ فما وَافَقَ) إلخ، وجه آخر للترجيح، وهو أنّه إذا كان الخبران المتعارضان مشهورين غلب الظنّ بصحّتهما، ويكون أحدهما موافقا للكتاب والسنّة الثابتة المقطوع بها باحتمال الدخول في المراد منهما، والكون من محاملهما عندنا، لا بأن يكون ممّا يدلّ عليه صريحهما، وإلّا فلا عبرة بالترجيحات السابقة واللاحقة؛ لدلالة الدليل القطعي على ذلك، وتعيّن العمل به، وعدم الاعتبار بما يخالفه بوجه من الوجوه.
أو موافقا للسنّة المظنون ثبوتها ـ والسنّة هي قول النبيّ ، أو فعله، أو تقريره، والمراد بها هاهنا الحديث النبوي ـ ويكون الآخر موافقا للعامّة، أي لمذاهب المخالفين وآرائهم للتقيّة، فيؤخذ الموافق لهما المخالف للعامّة، ويترك المخالف لهما الموافق لهم.
وفي قوله: (وخالف العامّة) إشارة إلى أنّ أحكامهم مخالفة للكتاب والسنّة غالبا وإن لم يفهموه، فإنّ كلّ شيء مذكور في الكتاب والسنّة إلّا أنّه لا يبلغه عقول الرجال.
وقوله: (أرأيت) أي أخبرني (إن كان الفقيهان عرفا) أي بزعمهما، حكمه من الكتاب والسنّة المقطوع بها، بأن أخذ كلّ واحد منهما حكمه منهما بنوع من التوجيه والحمل.
وقيل: يحتمل أن يكون «عُزِفا» بالزاي المعجمة على صيغة المجهول مِن عزفت الشيء، أي منعته وصرفته، أي مُنعا حكمَه. والمقصود أنّهما لم يعرفا حكمه من الكتاب والسنّة المقطوع بها. انتهى.
ولا يخفى بُعده.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 145525
صفحه از 739
پرینت  ارسال به