309
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

الكمالات، ومتنزّه عن جميع النقائص، ويسمّى لفظ «اللّه »، وما هو كذلك واحد، للآيات الدالّة على وحدة اللّه تعالى، فالواجب بالذات واحد.
وهذا القسم من التوحيد أيضا توحيد عقلي يستقلّ العقل بإثباته، وبُرهِنَ عليه ببراهين كثيرة في الكتب الحِكميّة والكلاميّة، وقد استدلّ عليه الإمام عليه السلام أيضا بالبرهان العقلي كما سيجيء بيانه إن شاء اللّه تعالى.
ومقابلُ التوحيد بأحد من هذه المعاني الثلاثةِ الشركُ باللّه ، ومنكره مشرك، وحينئذٍ فتنزيهه تعالى عن سائر ما لا يليق به باعتبار كمال ذاته ـ عدا تنزيهه عن الشريك كتنزيهه عن الجهل والعجز ونحوهما ـ يسمّى نعتا، وقد يطلق النعت على توصيفه بالصفات الثبوتيّة والسلبيّة مطلقا.
وثانيها: المعنى الشامل لنفي الشريك وللنعت بالمعنى الأوّل؛ يعني تنزيهه تعالى عمّا لا يليق به باعتبار كمال ذاته سواء كان شريكا، أو غيره من الجهل والعجز والمكان ونحوها. وعلى التقديرين فتنزيهه تعالى عمّا لا يليق به باعتبار فعله وتركه كالظلم وترك اللطف يسمّى بإثبات العدل. وإلى هذا المعنى ناظر ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «التوحيدُ أن لا تَتَوَهَّمَهُ، والعدلُ أن لا تَتَّهِمَه» ۱ وما روي عن الصادق عليه السلام «التوحيد أن لا تجوّز على ربّك ما جاز عليك، والعدل أن لا تنسب إلى صانعك ما لا مك عليه» ۲ .
وثالثها: المعنى الشامل للمعنى الثاني وللعدل أيضا، وهو تنزيهه تعالى عمّا لا يليق به في صفاته وأفعاله، أي عمّا يستحيل عليه، سواء كان وجوديا كالشريك والابن والظلم، أو عدميا كالعجز والجهل وترك الأصلح.
ورابعها: كلّ ما يتعلّق بأحواله تعالى، فإنّه قد شاع استعماله على ذلك المعنى في لسان أهل الشرع.
والمقصود من هذا الكتاب إثباته تعالى وتوحيده بالإلهيّة وصانعيّة العالم والوجوب

1.نهج البلاغة، قصار الحكم، رقم ۴۷۰؛ بحار الأنوار، ج ۵، ص ۵۲، ح ۸۶.

2.معاني الأخبار، ص ۱۱، ح ۲؛ التوحيد، ص ۹۶، باب ۵، ح ۱؛ بحار الأنوار، ج ۴، ص ۲۶۴، ح ۱۳ ؛ وج ۵، ص ۱۷، ح ۲۳، وفي هذه المصادر : «إلى خالقك» بدل «إلى صانعك».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
308

قوله تعالى: «رَبِّ العالَمِينَ»۱ وقوله: «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ»۲ وأمثالهما، وذلك هو التوحيد العقلي الذي استدلَّ الحجج عليهم السلام عليه بالبراهين العقليّة، ومن جملتها برهان التمانع الذي يكشف عنه قوله تعالى في سورة الأنبياء: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلّا اللّهُ لَفَسَدَتا»۳ وذلك معنى قول المحقّقين من الحكماء: «لا مؤثّر في الوجود إلّا اللّه ».
وقد خالف في ذلك فِرقٌ أعظمُها الثنويّةُ؛ فإنّهم قالوا: نجد في العالم خيرا كثيرا، وشرّا كثيرا، والواحد لا يكون خيّرا وشرّيرا، فلكلّ منهما فاعل على حدة، والمانويّةُ والديصانيّة منهم قالوا: فاعل الخير هو النور ، وفاعل الشرّ هو الظلمة، وقالوا: النور حيّ عالم قادر سميع بصير، والظلمة ميّت جاهل موجَب لا يسمع ولا يبصر، والمجوسُ منهم ذهبوا إلى أنّ فاعل الخير هو يزدان، وفاعل الشرّ هو أهرمن، ويعنون به الشيطان.
والجواب منع لزوم كون الواحد خيّرا وشرّيرا؛ يعني من يغلب خيره على شرّه، وشرّه على خيره؛ لأنّ اللازم إنّما هو صدور الخير الكثير والشرّ الكثير عنه. وأمّا غلبة شرّه على خيره فممتنع، بل إنّما يصدر عنه تعالى الخير المحض والخير الغالب، ولا يصدر عنه الشرّ المحض ولا الشرّ الغالب، فهو ـ جلّ ذكره ـ خيّر محض وليس بشرّير.
والثالث: نفي الشريك في الوجوب الذاتي، يدلّ عليه سورة التوحيد، وقوله تعالى في سورة المؤمن: «لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلّهِ الواحِدِ القَهّارِ»۴ ، وقوله تعالى في سورة الزمر: «سُبْحانَهُ هُوَ اللّهُ الواحِدُ القَهّارُ»۵ ونحو ذلك؛ لأنّ لفظ «اللّه » عَلَم للذات المستجمع لجميع صفات الكمال، المتنزّه عن جميع النقائص، وذلك لا يكون إلّا الواجب بالذات، لما ثبت في موضعه من أنّ الواجب بالذات ذاته كافٍ فيما له من الصفات، وأنّ الإمكان الذاتي ـ الذي هو علّة الاحتياج إلى الغير في الوجود ـ نقص، فكلّ ما هو واجب بالذات ذات مستجمع لجميع

1.وردت الآية في مواضع كثيرة من التنزيل العزيز.

2.الإسراء (۱۷): ۱۱۱.

3.الأنبياء (۲۱): ۲۲.

4.غافر (۴۰): ۱۶.

5.الزمر (۳۹): ۴.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 148967
صفحه از 739
پرینت  ارسال به