317
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

۰.يا أخا أهل مصر ، تَفهَّمْ عنّي ، فإنّا لا نَشُكُّ في اللّه أبدا ، أما ترى الشمسَ والقمرَ والليلَ

و(تَفَهَّمْ عنّي، فإنّا) نتيقّن بوجود الصانع و(لا نشكّ) فيه (أبدا) فيجب على الشاكّ الرجوع إلى المتيقّن؛ ليبيّن له الحقّ، ويهديه إلى سبيل الرشاد.
والمقصود من قوله: (أما تَرى الشمسَ والقمرَ) إلخ إقامة البرهان والاستدلال على وجود الصانع القادر المختار، والمتنزّه عن الإمكان وسائر النقائص؛ يعني واجب الوجود بالذات، بوجود حوادث من أحوال العالم من العِلْويّات والسِفْليّات كحركات الأفلاك وإفناء الناس وإعادتهم وما هو من هذا القبيل، وبوجود ثوابت من أحوالهما المختلفة كرفع السماء ووضع الأرض، بوجوه ثلاثة ليتبيّن أنّه تعالى صانع لجميع العالم: حوادثه ومتغيّراته وقدمائه وثوابته لو كان في العالم قديما ثابتا؛ ليظهر بطلان ما توهّمه هؤلاء أنّ القديم الزماني ـ ولو كان ممكنا ذاتيا ـ لا يحتاج في الوجود إلى صانع مؤثّر، بل موجود من عند نفسه من غير استناده إلى فاعل وجاعل، وإنّما يحتاج إلى المبدأ الحوادثُ الزمانيّة السفليّة، ويزعمون أنّ مبدأها هو الدهر، والحوادث العلويّة كالدورات الفلكيّة مستندة إلى ذواتها القديمة.
وقبل ۱ الخوض في المطلوب لا بدّ من تمهيد مقدّمات مرتكزة في العقول السليمة، لا يشكّ فيها من له عقل مستقيم إلّا عند الاشتباه الناشئ من ورود الشُبَه التي لا يُقدر على حلّها؛ للعجز عن التفصيل والتبيان اللذَيْن بهما يتبيّن انحلالها، ولم يتوجّه عليه السلام إلى بيان تلك المقدّمات؛ لأنّ المخاطب لم يتوقّف في التصديق للشكّ فيها، ولقد وقع الاحتياج إليها في زماننا؛ لشيوع الشُبَه وكثرةِ ذكرها بين المتأخّرين وكثرة ۲ نفع بيان تلك المقدّمات للطالبين، فرأيت أن اُوردها لينتفع بها في إثبات المبدأ الأوّل.
المقدّمة الاُولى: أنّ الموجود بحسب التقسيم العقلي لا يخلو إمّا أن يكون ذاته كافية في كونه موجودا، بمعنى أنّه إذا اُخذ ذاته من حيث هي هي يكون موجودا في حدّ ذاته ونفسه، ويكون موجوديّته ووجوده عين ذاته، ولا يحتاج في موجوديّته إلى أمر آخر من الوجود

1.اُنظر: الحاشية على اُصول الكافي للنائيني، ص ۲۴۴ ـ ۲۴۷.

2.في حاشية النائيني: «كثر».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
316

۰.«عَجَبا لك لم تَبلُغِ المشرقَ ، ولم تَبلُغِ المغربَ ، ولم تَنزِلِ الأرضَ ، ولم تَصْعَدِ السماءَ ، ولم تَجُزْ هناك فتَعرِف ما خلفهنَّ وأنت جاحدٌ بما فيهنَّ ، وهل يَجحدُ العاقلُ ما لا يَعرِفُ؟!» .
قال الزنديق: ما كَلَّمَني بهذا أحدٌ غيرُك . فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فأنت من ذلك في شكّ ، فلعلّه هو و لعلّه ليس هو؟» فقال الزنديق : ولعلَّ ذلك .
فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «أيّها الرجلُ ، ليس لمن لا يعلَمُ حُجَّةٌ على من يَعلَمُ ، ولا حجّةَ للجاهل .

(عجبا لك) إلخ، أي عجبت عجبا لك.
وقوله عليه السلام : (لم تَبلُغِ المشرقَ، ولم تَبلُغِ المغربَ) بناء على المعلوم من حاله عنده عليه السلام أنّه لم يبلغ المشرق والمغرب.
وقوله عليه السلام : (لم تَجُزْ هناك) أي مكّة؛ لأنّها كانت منتهى سفره.
وقيل ۱ : «هناك» إشارة إلى المكان المعمور من وجه الأرض.
وقوله عليه السلام : (فتعرف) منصوب بتقدير «أن» بعد النفي (ما خلفهنّ) أي ما خلف المشرق والمغرب والأرض والسماء (وأنت جاحدٌ بما فيهنَّ) أي في خلقهنّ، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف وجوده وعدمه بدون دليل يدلّ على عدمه، وليس لك ولأحد على عدمه برهان؟
وقوله: (ما كَلَّمَني بهذا أحدٌ) إقرار منه بأنّ الجحد فاسد باطل، ولو كلّمه أحد بهذا لم يجحد، فلمّا عرف الزنديق قبح إنكاره لما لا معرفة له فيه، وتنزّل من الإنكار إلى الشكّ، وأقرّ بأنّه شاكّ بقوله: (ولعلّ ذلك) تصديقا لقوله عليه السلام : (فأنت من ذلك في شكّ، فلعلّ هو) أي فلعلّ الحقّ، أو الشأن أنّ للعالم صانعا قادرا مختارا، متنزّها ۲ عن الإمكان وسائر النقائص (ولعلّه ليس هو) أي ولعلّ الحقّ أو الشأن أنّه ليس للعالم صانع كذلك. فأخذ عليه السلام في هدايته وقال: (أيّها الرجل، ليس لمن لا يعلم) أي ليس للشاكّ دليل وحجّة أصلاً فضلاً على من يعلم (ولا حجّة للجاهل) فليس لك إلّا طلب الدليل على ما هو حقّ فكن طالبا واستمع

1.نقل هذا الوجه وكذا ما قبله في مرآة العقول، ج ۱، ص ۲۳۹ وقال: «لا يخفى بعدهما».

2.في النسخة: «صانع قادر مختار متنزّه».

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 145083
صفحه از 739
پرینت  ارسال به