۰.«عَجَبا لك لم تَبلُغِ المشرقَ ، ولم تَبلُغِ المغربَ ، ولم تَنزِلِ الأرضَ ، ولم تَصْعَدِ السماءَ ، ولم تَجُزْ هناك فتَعرِف ما خلفهنَّ وأنت جاحدٌ بما فيهنَّ ، وهل يَجحدُ العاقلُ ما لا يَعرِفُ؟!» .
قال الزنديق: ما كَلَّمَني بهذا أحدٌ غيرُك . فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فأنت من ذلك في شكّ ، فلعلّه هو و لعلّه ليس هو؟» فقال الزنديق : ولعلَّ ذلك .
فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «أيّها الرجلُ ، ليس لمن لا يعلَمُ حُجَّةٌ على من يَعلَمُ ، ولا حجّةَ للجاهل .
(عجبا لك) إلخ، أي عجبت عجبا لك.
وقوله عليه السلام : (لم تَبلُغِ المشرقَ، ولم تَبلُغِ المغربَ) بناء على المعلوم من حاله عنده عليه السلام أنّه لم يبلغ المشرق والمغرب.
وقوله عليه السلام : (لم تَجُزْ هناك) أي مكّة؛ لأنّها كانت منتهى سفره.
وقيل ۱ : «هناك» إشارة إلى المكان المعمور من وجه الأرض.
وقوله عليه السلام : (فتعرف) منصوب بتقدير «أن» بعد النفي (ما خلفهنّ) أي ما خلف المشرق والمغرب والأرض والسماء (وأنت جاحدٌ بما فيهنَّ) أي في خلقهنّ، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف وجوده وعدمه بدون دليل يدلّ على عدمه، وليس لك ولأحد على عدمه برهان؟
وقوله: (ما كَلَّمَني بهذا أحدٌ) إقرار منه بأنّ الجحد فاسد باطل، ولو كلّمه أحد بهذا لم يجحد، فلمّا عرف الزنديق قبح إنكاره لما لا معرفة له فيه، وتنزّل من الإنكار إلى الشكّ، وأقرّ بأنّه شاكّ بقوله: (ولعلّ ذلك) تصديقا لقوله عليه السلام : (فأنت من ذلك في شكّ، فلعلّ هو) أي فلعلّ الحقّ، أو الشأن أنّ للعالم صانعا قادرا مختارا، متنزّها ۲ عن الإمكان وسائر النقائص (ولعلّه ليس هو) أي ولعلّ الحقّ أو الشأن أنّه ليس للعالم صانع كذلك. فأخذ عليه السلام في هدايته وقال: (أيّها الرجل، ليس لمن لا يعلم) أي ليس للشاكّ دليل وحجّة أصلاً فضلاً على من يعلم (ولا حجّة للجاهل) فليس لك إلّا طلب الدليل على ما هو حقّ فكن طالبا واستمع